رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

المفتي: حماية الهوية الوطنية خط الدفاع الأول عن استقرار المجتمع

صورة من اللقاء
صورة من اللقاء

في خطاب فكري وتربوي شامل، قدّم فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، رؤية عميقة حول مستقبل الهوية الوطنية المصرية، وما يواجهها من تحديات فكرية وثقافية وسلوكية في عصر يتغير بسرعة غير مسبوقة، مؤكدًا أن الحفاظ على الهوية مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند المؤسسات الدينية والتعليمية.

جاء ذلك خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الحادي عشر لكلية التربية بنين بجامعة الأزهر، المنعقد تحت عنوان: «جيل ألفا والتربية.. صناعة المستقبل وقيادة التغيير»، حيث حظيت الكلمة باهتمام واسع من العلماء والمفكرين والتربويين المشاركين في الجلسات العلمية.

الهوية الوطنية.. الجذر الراسخ للانتماء وعمود الأمن المجتمعي

استعرض فضيلة المفتي الأسس التي تقوم عليها الهوية الوطنية، مشيرًا إلى أنها ليست مفهومًا عابرًا، بل مجموعة متكاملة من المقومات العقائدية والثقافية والتاريخية والعادات والتقاليد التي تمنح المجتمع خصوصيته بين الأمم.

وأوضح أن فقدان الهوية يفقد الوطن ذاته، مؤكدًا أن الإنسان الذي لا ينتمي لوطنه يصبح سهل الاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة والأجندات الخارجية.

وشدد فضيلته على أن الانتماء للوطن والإخلاص في خدمته والتفاني في حمايته يمثل الجذر الأصيل للهوية الوطنية وعصب الوجود المجتمعي، وأن الحديث عن الهوية ضرورة دائمة في ظل تحديات معاصرة تستهدف زعزعة الثقة بالدولة ومقدراتها.

مكوّنات الهوية.. وطن ولغة ودين وتاريخ مشترك

أوضح فضيلة المفتي أن الهوية الوطنية تتجسد في أربعة أعمدة رئيسة:

١. الوطن

هو الحاضنة الجغرافية للانتماء، وبدونه تفقد الهوية معناها.

٢. الدين

يمثل ركيزة جوهرية في حماية الدولة وتعزيز القيم الوطنية وترسيخ روح الولاء والانتماء.

٣. اللغة

وعاء الذاكرة الثقافية، والمعبّر عن الخصوصية الحضارية، وعامل مهم في ربط الأجيال بتاريخها.

٤. التاريخ المشترك

الذاكرة الجماعية التي تشكل وعي الأمة وتُسهم في صون وحدتها عبر ما خاضته من تحديات وإسهامات مشتركة.

ووصف فضيلة المفتي هذه العناصر بأنها البنية العميقة للأمن القومي، والتي يتطلب الحفاظ عليها وعيًا مستمرًا وثقافة واسعة لدى الأجيال الجديدة.

تحديات تهاجم الهوية الوطنية في عصر العولمة

استعرض مفتي الجمهورية حزمة واسعة من التحديات التي تُعتبر الأخطر على الوعي العام، مؤكدًا أنها لم تعد نظرية بل باتت واقعًا يوميًا يعيشه المجتمع:

١. المفاهيم المغلوطة حول العلاقة بين الدين والوطن

أفكار تحاول فصل الانتماء الوطني عن التعاليم الدينية، رغم أن حب الوطن من مقاصد الشرع وسُنن الأنبياء.

٢. التغريب وإعادة تشكيل الوعي

محاولات فرض النموذج الغربي معيارًا للسلوك واللباس والفكر، بما يؤدي إلى سلخ الإنسان العربي عن أمته وتاريخه.

٣. الاغتراب المجتمعي

انفصال بعض الشباب عن بيئتهم وثقافتهم تحت مسمى الحداثة أو الحرية الفردية.

٤. الغلو والتطرف

أفكار ترفض الدولة الحديثة وتدفع للعنف وتخدم أجندات خارجية تستهدف تفكيك المجتمعات.

٥. العولمة

التي تسعى إلى خلق نمط ثقافي عالمي واحد يذيب الخصوصيات والهويات المحلية.

٦. الإعلام الموجَّه

الذي يستخدم الشائعات في التشكيك بالمنجزات الوطنية وإثارة الفتن.

٧. الإلحاد والفكر اللاديني

بما يحمله من إنكار للثوابت وترويج للفوضى الأخلاقية والعبث القيمي، وهو الأخطر في ظل انفتاح عالمي ورقمي مفتوح على جميع الاتجاهات.

تحصين المجتمع.. التعايش والتسامح والوسطية

أكد فضيلة المفتي أن الهوية المصرية عبر تاريخها قامت على التعدد والتعايش والاعتدال، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف لعب وما زال يلعب دورًا محوريًا في حماية هذا الإرث.

كما دعا إلى ضرورة التثبت قبل نشر الأخبار أو التعليق عليها، مستشهدًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، ومؤكدًا أن الشائعات تُعد من أخطر أدوات ضرب الهوية وزعزعة الثقة بالدولة.

الشباب عماد المستقبل ومحور النهضة

شدّد فضيلته على أن الاستثمار في الشباب هو حجر الأساس لأي نهضة حقيقية، مبينًا أن غرس القيم، وتعزيز الوعي، وبناء المهارات، يمثل الطريق الوحيد لصناعة جيل قادر على قيادة التغيير.

ودعا فضيلته إلى تمكين الشباب من مهارات الوعي الرقمي والفكر النقدي، ليكونوا قادرين على التمييز بين الحقائق والمعلومات المضللة، خاصة في ظل توسّع المحتوى الرقمي.

دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية في بناء الوعي

أكد فضيلته أن الحفاظ على الهوية مسؤولية مشتركة بين:

الأُسر

عبر الحوار المفتوح وترسيخ القيم الأصيلة.

المدارس

من خلال تنمية التفكير النقدي والوعي الرقمي في المناهج.

المؤسسات الدينية

التي تقدّم محتوى رقميًا هادفًا يعزز الانتماء ويحارب الفكر المتطرف.

وأشار إلى أهمية دور المؤسسات التربوية والإعلامية والمجتمع المدني في تشكيل منظومة متكاملة تحمي الذات الثقافية من الاختراقات الفكرية والسلوكية.

مواجهة الفكر الإلحادي والمتطرف.. الفكر يُهزم بالفكر

سلّط فضيلة المفتي الضوء على الجهود العلمية والرقمية التي تبذلها دار الإفتاء عبر:

مركز "سلام" لدراسات التطرف.

تطبيق "فتوى برو".

وحدة الحوار والردود العلمية.

تم نسخ الرابط