من «صبّ الحيل» إلى «حُزّ نضّارات»… قاموس الأسرار داخل السوق المصري
في كل سوق كبير في مصر سواء في العتبة، الموسكي، الوكالة، سوق الجملة، أو أسواق المحافظات تجد لغة خاصة لا تُدرَّس في أي مكان.
هي لغة تجّار كبار لا يفهمها إلا من عاش وسطهم، فيها شيفرات وتحذيرات وأساليب تفاوض لا تُفهم من الكلمات نفسها، بل من نبرة الصوت وإشارة اليد.
لغة لا تظهر على السطح ولا يدركها المارّ العادي.
ومن خلال حديث التجار لموقع «تفصيلة»، حاولنا فك شفرات تلك الكلمات… كيف بدأت؟ من يستخدمها؟ ولماذا ما زالت حتى اليوم جزءًا من «دستور السوق» غير المكتوب؟
لغة السوق… «وجدان مشترك» بين التجار
لا يتعامل التجار بالكلام المباشر دائمًا، فأحيانًا يحتاجون لإرسال رسائل لا يسمعها الزبون، أو للتعبير عن موقف معين في ثانية واحدة دون شرح طويل.
وهنا تظهر الكلمات الغريبة:
دَبِش اللي في شَلك فريكة
تُقال لوصف شخص «تقيل في دمه» أو «مش نضيف»، ويستخدمها التجار لتحذير بعضهم من زبون أو تاجر آخر صاحب نية سيئة.
صَبّ الحيل
تُقال عن شخص عصبي وصعب التعامل… تاجر يبدأ يومه بالزعيق والشتائم قبل البيع.
حُز نظّارات أمن المكان
جملة تُستخدم عند قدوم قوة من الأمن أو جهة رقابية إلى السوق، كود سريع يخبر الجميع بوجود تفتيش أو شخصية مهمة تمر.
فريكة
وتطوّر معناها لتشير إلى «العميل الذي يحاول يسرق أو يغش» أو الشخص الذي يدخل ليتحايل ويظهر نفسه بريئًا.
حرامي
تُقال بنبرة معينة بين التجار، ويقصدون بها أن «الشخص دا هيفاصل جامد جدًا» وليس شرطًا أن يكون سارقًا بالفعل.
زبون فَني
يعني زبون خبير، فاهم الأسعار، ومش سهل حد يضحك عليه.
زبون سُخنة
زبون مستعجل… سيشتري حتى لو السعر أعلى.
دا زبون مش بتاعنا
أي: زبون مش من النوع اللي بيصرف أو هيفاصل بلا فايدة.
هذه المفردات ليست مجرد كلمات، بل أدوات عمل… جزء من التواصل الخفي الذي يحمي التجار من الخسارة والمشكلات.
مصطلحات التفاوض والمساومة
«هات سعر جدعنة»
يعني: اديني سعر خاص للعِشرة، وليس السعر الرسمي.
«قافل معايا»
تعني أن التاجر غير مستعد للنزول في السعر أكثر.
«ضرب السعر»
يعني أن أحد التجار خفّض سعره بشكل مبالغ فيه… فأفسد السوق للباقين.
«سعر مكسور»
يعني سعر منخفض جدًا وغير منطقي؛ غالبًا بضاعة مضروبة أو تصفية.
لماذا يستخدم التجار لغة خاصة؟
بحسب ما يقوله عدد من التجار في «سوق العتبة» و«الوكالة»، هناك أربعة أسباب رئيسية:
1. الخصوصية داخل الزحمة
الكلام مسموع للجميع في الأسواق المفتوحة، لذلك يحتاج التاجر لـ«لغة مش مفهومة» للزبون لكنها واضحة لمن يقف خلف الميزان.
2. التحذير السريع
قد يحدث موقف خطير في ثانية: شجار، سرقة، حملة تفتيش. الكلمة المختصرة توصل المعنى أسرع من أي شرح.
3. تمييز الانتماء للمكان
لكل سوق «لهجة» خاصة:
وكالة البلح
الموسكي
السيدة
سوق الجملة
هذه الكلمات رمز انتماء… قولك لها غلط يعني: «مش مننا».
4. توارث عبر الأجيال
كثير من المفردات عمرها 30–50 سنة، توارثها الأب عن الجد، والمعلم عن التلميذ. هي جزء من «ثقافة السوق» أكثر من كونها مجرد ألفاظ.
كلمات أخرى من كواليس الأسواق
الفرشة ناشفة → مفيش بيع
الرجل سخن → زبون جاي يشتري بجد
فكّ الفلوس → خفّض السعر لأنه متزنّق
ضرب السوق → المنافس نزل سعر كبير
شغل شغال → مطلوب بكثرة
مكحّته → بالغ في رفع السعر بشكل كبير
هل تتغير اللغة؟
نعم، لكنها تتغير ببطء. الكلمات القديمة تبقى، بينما يضيف الشباب مفردات من السوشيال ميديا والأفلام.
ومع دخول جنسيات مختلفة للسوق، ظهرت كلمات من لهجات متعددة… لكنها في النهاية تذوب داخل «لغة السوق الأم».



