رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

هل يجوز إعادة تدوير المخلفات المشتملة على نجاسة؟.. الإفتاء تجيب

المخلفات
المخلفات

في ظل التوسع العالمي في مشروعات إعادة التدوير، وارتفاع معدلات المخلفات بأنواعها، بات التساؤل حول الحكم الشرعي لإعادة تدوير النفايات التي قد تختلط بالنجاسة مطروحًا بإلحاح، خصوصًا مع دخول منتجات معاد تدويرها في مجالات صناعية واستهلاكية عديدة هذا السؤال وصل إلى دار الإفتاء المصرية، فكان ردها مناسبة لفتح ملف واسع يتقاطع بين الفقه والبيئة والصناعة، ويكشف تاريخًا طويلًا من الاجتهادات الشرعية حول مفهوم “الاستحالة” وأثره على طهارة الأشياء.

سؤال يتجاوز الفقه إلى الواقع… لماذا يثار الحكم الآن؟

تزايدت أهمية إعادة التدوير في العقود الأخيرة مع تنامي المخاوف البيئية، وارتفاع حجم المخلفات الناتجة عن المدن الكبرى، ودخول الصناعة في مرحلة تعتمد على تدوير المواد الخام لتقليل التلوث.

وهنا ظهر سؤال ملحّ: ماذا لو كانت هذه المخلفات تحتوي على نجاسة؟ وهل يجوز شرعًا إعادة تدويرها ثم استخدامها؟

دار الإفتاء المصرية تلقّت السؤال، وجاءت الإجابة لتؤسس قاعدة واضحة: إذا تغيّرت حقيقة الشيء النجس وتحول إلى مادة أخرى مغايرة في طبعها وخصائصها، طَهُر شرعًا.

الإفتاء توضّح… الاستفادة جائزة بعد المعالجة

بيّنت دار الإفتاء أن عملية إعادة التدوير تشمل معالجة النفايات وتغيير بنيتها وخصائصها الطبيعية لتحويلها إلى مواد جديدة تختلف كليًا عن حالتها الأولى.
وبناءً على القاعدة الشرعية: الأحكام تُعلَّق على الحقائق، فإذا تغيّرت الحقيقة تغيّر الحكم، أكدت الإفتاء أن النجاسة تزول بزوال صورتها، وأن المادة الناتجة بعد المعالجة تُعد طاهرة.

كما أوضحت أن الحكم لا ينفصل عن رأي المتخصصين في الصناعة والكيمياء، إذ يجب التأكد فنيًا من تغيّر حقيقة المادة، ومن عدم وجود ضرر صحي أو بيئي عند استعمال المتنجس بعد تدويره.

مفهوم الاستحالة في الفقه الإسلامي… قاعدة راسخة عبر المذاهب

1- معنى الاستحالة: انقلاب الحقيقة وتغيّر الطبيعة

الفقهاء وصفوا “الاستحالة” بأنها تغيّر المادة من حقيقتها ووصفها إلى حقيقة أخرى مختلفة اسمًا ووصفًا، مع بقاء أصل المادّة.

وقد استندوا إلى مثال الخمر إذا انقلبت خلاً، والدم إذا تحول في بطون الحيوانات إلى لحم، والنجاسة إذا أُحرقت فصارت رمادًا.

كتب التراث الفقهي زخرت بعشرات الأمثلة التي أسست لهذا المبدأ.


رابعًا: أقوال المذاهب الفقهية… اتفاق واسع ورأي جمهور العلماء

1- الحنفية: النجاسة تطهر بالاستحالة

استشهدت الإفتاء بنصوص عديدة تؤكد أن الحنفية يعدّون الاستحالة سببًا للطهارة، ومنها تحول الميتة في المملحة إلى ملح، والعذرة إذا أحرقت وصارت رمادًا. بل أفتوا بطهارة الصابون المصنوع من مواد نجسة إذا تغيرت حقيقتها.

2- المالكية: تغيّر الأعراض يرفع حكم النجاسة

أكد أئمة المالكية أن الله حكم بالنجاسة لأجسام مخصوصة مشروطة بأوصاف مستقذرة. فإذا زالت الأوصاف تغير الحكم. وضربوا مثلاً بالدم الذي يتحول إلى مني ثم إلى إنسان كامل.

3- الحنابلة: قياسًا على الخمرة إذا تخللت

رغم وجود رواية أخرى، إلا أن طائفة واسعة من علماء الحنابلة يرون أن النجاسات كلها تطهر بالاستحالة، كما ذكر ابن قدامة وابن تيمية.

4- الظاهرية: الحكم يدور مع الاسم والحقيقة

قال ابن حزم بوضوح قاطع إن العذرة إذا صارت رمادًا فهي طاهرة، لأن الاسم تغيّر والحقيقة تبدلت.

نتائج الاستحالة… بين الشرع والصناعة

دار الإفتاء أكدت أن عملية إعادة التدوير تمثل صورة حقيقية للاستحالة التي أجازها الشرع، إذ يتحول الشيء من مادة غير صالحة للاستعمال إلى مادة جديدة نافعة، تحمل خصائص ووظائف مختلفة تمامًا عن أصلها.

ومن ثم:
إذا تغيّرت حقيقة المخلفات النجسة أثناء عملية التدوير وصارت عنصرًا آخر مغايرًا، فإنها تُعد طاهرة شرعًا.

لكن القرار النهائي لا ينفصل عن رأي المتخصصين في الكيمياء والبيئة للتأكد من عدم وجود ضرر.
دلالات شرعية معاصرة… الفقه في خدمة البيئة

هذا الحكم يعكس مرونة التشريع الإسلامي وقدرته على مواكبة تطورات العصر، ويكشف أن الفقه لا يقف حجر عثرة أمام الصناعات الحديثة، بل يدعمها حين تتوافق مع القيم الشرعية.

كما أن فتح باب الاستفادة من المخلفات بعد معالجتها يعزز جهود الدول في:

حماية البيئة

تقليل النفايات

توفير مواد خام جديدة

دعم الاقتصاد الدائري

تخفيف التلوث الناتج عن الحرق والدفن.

تم نسخ الرابط