مفتي الجمهورية في قرعة حج الجمعيات: منظومة وطنية متكاملة
في أجواء تجمع بين روحانية الشعيرة وقدسية المقصد، شهدت وزارة التضامن الاجتماعي صباح اليوم انطلاق مراسم قرعة حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447هـ – 2026م، وسط حضور رسمي رفيع المستوى يعكس اهتمام الدولة المتزايد بتطوير منظومة الحج وتيسير إجراءاتها. المناسبة التي احتضنتها القاهرة لم تكن مجرد إعلان أسماء الفائزين، بل جسّدت مشهداً متكاملاً للتعاون المؤسسي بين أجهزة الدولة والجهات الدعوية والمجتمع المدني، في إطار دور راسخ تتبناه مصر في خدمة الحجيج وتوفير أرقى مستويات الرعاية الروحية والتنظيمية لهم.
شارك في الفعالية فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية وعضو مجلس أمناء المؤسسة القومية لتيسير الحج، الذي قدّم رؤية شاملة حول مكانة المؤسسة ودورها التاريخي في تنظيم مواسم الحج، مؤكداً أن خدمة ضيوف الرحمن ليست عملاً تنظيمياً بقدر ما هي رسالة إيمانية ذات أبعاد روحية عميقة كما حضر الفعالية الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس أمناء المؤسسة، وفضيلة الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ونائب رئيس المؤسسة، إلى جانب قيادات الوزارة وممثلي الجمعيات الأهلية.
مكانة المؤسسة القومية ودورها في خدمة الحجيج
استهل مفتي الجمهورية كلمته بالإشادة العميقة بالدور الذي تضطلع به المؤسسة القومية لتيسير الحج، مؤكداً أنها تمثّل نموذجاً فريداً في العمل المؤسسي القائم على الإخلاص والانضباط وخدمة ضيوف الرحمن بروح العطاء والتفاني.
وأكد أن المؤسسة سطّرت عبر تاريخها صفحات مشرفة في تنظيم برامج الحج والعمرة، من خلال منظومة دقيقة تجمع بين الخبرة الإدارية والبعد الروحي لهذه الشعيرة المقدّسة.
وأوضح فضيلته أن حضور المؤسسة في المشهد التنظيمي لمواسم الحج يمنح الطمأنينة للحجيج وأسرهم، باعتبارها جهة وطنية تُعلي قيم الإتقان وتلتزم بمعايير جودة راسخة، وهو ما ينعكس على راحة الحاج منذ لحظة تسجيله وحتى عودته إلى أرض الوطن.
تنظيم محكم يعكس عظمة الشعيرة
أعرب مفتي الجمهورية عن تقديره لما شهده من دقة في الإجراءات التنظيمية للقرعة، وما استمع إليه من شهادات موثوقة حول تطور منظومة العمل داخل المؤسسة، مؤكداً أن ما تقوم به الدولة في هذا المجال يعكس حرصاً واضحاً على تعظيم شعائر الله، مصداقاً لقوله تعالى:
﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
وأشار إلى أن الرعاية الحقيقية للحجيج تتجاوز الجوانب الإدارية لتصل إلى مستوى الرسالة الروحية، حيث يتجسد دور القائمين على المنظومة في تسهيل رحلة الحاج، وبث الطمأنينة في قلبه، وتهيئة الظروف التي تساعده على أداء المناسك بروح خاشعة وصفاء كامل.
تكامل مؤسسي بين الدولة والمجتمع المدني
شدد المفتي على أن النجاح الذي تحققه منظومة الحج كل عام ليس نتاج جهد منفرد، بل هو ثمرة تعاون وثيق بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، في صورة تتحول معها الجهود المتعددة إلى نسيج متكامل يخدم آلاف الحجاج.
وأوضح أن الجمعيات الأهلية شريك رئيسي في هذا النجاح، إذ تتولى أدواراً محورية في التواصل مع المواطنين وتأهيلهم للرحلة، بينما تعمل مؤسسات الدولة على توفير البيئة التنظيمية والميدانية التي تضمن سلاسة حركة الوفود وتلبية احتياجاتهم كافة.
العلاقات المصرية – السعودية... نموذج تنسيقي لخدمة الحجيج
وفي سياق آخر، أكّد مفتي الجمهورية أن العلاقات الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية تمثل ركيزة جوهرية لنجاح موسم الحج سنوياً، مشيداً بحجم التنسيق المشترك بين البلدين لخدمة ضيوف الرحمن. وأشار إلى أن هذا التعاون يقوم على احترام متبادل للدور الذي تضطلع به كل جهة، وروح أخوية تعكس ما أمر به الشرع من التنافس في الخير، مستشهداً بقوله تعالى:
﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
وأكد أن هذا التنافس المحمود يصب في النهاية لصالح الأمة، ويعزز قدرة الدولتين على تطوير الخدمات المقدمة للحجاج عاماً بعد عام.
الحج.. رحلة إصلاح للروح والسلوك
في ختام كلمته، تطرّق مفتي الجمهورية إلى البعد الروحي للحج باعتباره رحلة إيمانية تترك آثاراً باقية في سلوك الحاج ونظرته إلى الحياة، مشدداً على أهمية الالتزام بالأخلاق الرفيعة خلال أداء المناسك، والابتعاد عن كل ما يشوّه صفاء الشعيرة من رفث أو فسوق أو جدال.
واستند فضيلته إلى قول الله تعالى في بيان مقاصد الحج وسلوكه القويم:
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
كما أكد أن الحاج العائد من رحلته لا يعود كما ذهب، بل يعود بقلب أكثر صفاءً، وروح أكثر إدراكاً للقيم الكبرى التي تحملها هذه الفريضة.