الإفتاء تحسم جدل صبغ الشعر الأسود بين الكراهة والإباحة
لا يزال سؤال «هل يجوز صبغ الشعر باللون الأسود؟» واحدًا من أكثر الأسئلة حضورًا في ساحات الإفتاء ومنصات التواصل، خاصة مع توسّع استخدام مستحضرات التجميل وتنوّع الألوان التي يلجأ إليها الشباب وكبار السن على حد سواء وفي ظل تباين الآراء الشعبية والدينية حول الموضوع، تبرز أهمية العودة إلى المصادر الشرعية والفتاوى الرسمية لفهم الحكم بدقة.
وفي هذا السياق، جاء توضيح جديد من الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال ظهوره الإعلامي الأخير، ليعيد النقاش إلى أصوله الشرعية ويكشف عن تفاصيل الحكم، مستندًا إلى النصوص النبوية وآراء العلماء عبر القرون.
بحث فقهي قديم يتجدد اليوم: هل صبغ الشعر جائز؟
يشير تاريخ الفقه الإسلامي إلى أن مسألة تغيير لون الشعر كانت محل اهتمام منذ زمن النبي ﷺ، خاصة في ظل وجود كبار السن الذين تغيرت ملامحهم مع التقدم في العمر ولذلك أصبحت هذه القضية محور أحكام متتابعة، تنوعت بين الجواز والمنع والكراهة، وفقًا لظروف كل حالة ودلالة النصوص.
وقد جاءت تساؤلات كثيرة إلى دار الإفتاء حول صبغ الشعر بالسواد تحديدًا، باعتباره اللون الأكثر إثارة للجدل، نظرًا لارتباطه بمظهر الشباب وإخفاء علامات التقدم في العمر.
النص النبوي الحاكم للمسألة: قصة أبي قحافة أمام النبي
استند الشيخ عويضة عثمان في فتواه إلى الرواية الشهيرة التي نقلتها كتب السُّنة حول دخول أبي قحافة والد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه على النبي ﷺ يوم فتح مكة، وكان شعره ولحيته شديدة البياض «كأنهما القطن» وهنا قال النبي ﷺ: «غيروا هذا وجنبوه السواد».
ويُعد هذا الحديث في نظر العلماء أصلًا فقهيًا للمسألة، إذ يفيد أن تغيير اللون الأبيض إلى لون آخر مباح، لكن تجنب اللون الأسود هو موضع أمرٍ صريح.
ولهذا درج العلماء على اعتبار الحديث قاعدة عامة في باب الزينة وتغيير الهيئة.
كيف فهم العلماء عبارة «جنبوه السواد»؟
يؤكد أمين الفتوى أن العلماء اختلفوا في تفسير النهي الوارد في الحديث:
هل هو نهي تحريم أم نهي كراهة؟
1. اتجاه يرى التحريم
بعض العلماء اعتبر أن النهي الوارد في الحديث صريح ومباشر، وأن صبغ الشعر بالسواد يدخل في باب التدليس أو إخفاء الواقع، وهو ما يجعل الحكم أقرب إلى التحريم خاصة لكبار السن.
2. اتجاه يرى الكراهة فقط (رأي دار الإفتاء)
اتجاه آخر وهو ما تُفتي به دار الإفتاء المصرية يرى أن النهي الوارد في الحديث محمول على الكراهة لا التحريم، أي أن صبغ الشعر بالسواد غير مُحبذ شرعًا لكنه لا يصل إلى درجة الحُرمة، ما دام لا يرتبط بخداع أو غش أو تمويه للسن لغرض غير مشروع.
وهو الرأي الذي رجّحه الشيخ عويضة عثمان، مؤكدًا أن النص يسمح باستخدام ألوان أخرى—كالأحمر والأصفرلكن يبقى السواد هو اللون المُستثنى في ضوء دلالة الحديث.
صبغ الشعر بغير الأسود
شدد أمين الفتوى على أن جميع الألوان الأخرى مباحة شرعًا، إذ لا يوجد نص يمنع صبغ الشعر أو اللحية بالألوان المختلفة. بل إن استعمال الألوان الطبيعية كالحناء والكتم كان معروفًا في عهد الصحابة والتابعين.
وبالتالي، فإن تغيير اللون الأبيض إلى ألوان غير محرجة أو غير ملفتة يدخل في إطار التجمّل المباح شرعًا، سواء للرجل أو للمرأة، ما دام لا يترتب على ذلك ضرر أو غش أو تدليس.
فتوى دار الإفتاء: الكراهة دون الحُرمة
أكد الشيخ عويضة عثمان أن دار الإفتاء المصرية تميل إلى القول بالكراهة في صبغ الشعر بالسواد، وليس التحريم، مستندة إلى اجتهادات فقهية واسعة وقراءة دقيقة للسياق النبوي.
وختم فتواه بقوله: «والله أعلم»، في إشارة إلى أن الحكم يحتمل الخلاف الاجتهادي، لكنه في النهاية يميل إلى التخفيف والتيسير ما لم تقع مفسدة.