رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

أذكار المساء.. عبادة يومية تُنير القلب وتغسل الهموم

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في زمنٍ تتزاحم فيه الهموم وتُثقل الصدور بضغوط الحياة وتسارع الأحداث، تبقى أذكار المساء ملاذًا روحانيًا يلجأ إليه المؤمن كل يوم، عند غروب الشمس، ليستمد منه سكينةً وطمأنينةً من نوعٍ خاص، تُعيد إلى النفس توازنها، وتربط القلب بخالقه ربطًا وثيقًا.

هي لحظات بين العبد وربه، يعلن فيها انكساره وافتقاره، ويجدد فيها عهده بالإيمان، مستحضرًا قوله تعالى: «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون»، فكان الذكر زادَ الروح وغذاء القلب وسرّ الطمأنينة.

الذكر في الإسلام.. تواصل دائم مع الله

الذكر ليس مجرد كلمات تُقال باللسان، بل هو عبادة عظيمة تحيا بها القلوب، وتُمحى بها الذنوب، وتُرفع بها الدرجات. وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالإكثار منه في كل حين، فقال: «يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بُكرةً وأصيلًا».

ومن صور هذا الذكر: أذكار الصباح والمساء التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لتكون حصنًا منيعًا من كل شر، وسببًا لجلب الراحة والرضا والسعادة.

أذكار المساء.. درع الحماية ودواء الهموم

جاء في الحديث الشريف أن الذكر يطرد الشيطان ويشرح الصدر، ولذلك كانت أذكار المساء من أهم السنن اليومية التي يحرص عليها المسلمون.

فهي لا تُردّد فقط للتبرك، بل تؤدي دورًا نفسيًا وروحيًا عميقًا؛ إذ تزيل الهمّ، وتُطفئ نيران الغضب، وتُنعش القلب بالطمأنينة والسكينة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت»، في إشارة إلى أن الذكر حياةٌ للقلب بعد موات، ودواءٌ للنفس حين تضيق.

نقلت كتب السنة مجموعةً من الأدعية والأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها كل مساء، ومن أبرزها:

الذكر الأول:
«أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له...»، وهو من الأدعية الجامعة التي تذكّر العبد بملكية الله المطلقة للكون، وبأن الليل والنهار من آياته سبحانه.

الذكر الثاني:
«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك...»، وهو ما يعرف بـ"سيد الاستغفار"، الذي يُقال في الصباح والمساء، ليكون تجديدًا دائمًا للتوبة والإخلاص.

الذكر الثالث:
«بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ثلاث مرات، لتكون حماية من كل ضرر ظاهر أو خفي.

الذكر الرابع:
«اللهم إني أمسيت أشهدك وأشهد حملة عرشك»، وفيه إعلان الإيمان والتوحيد وإقرار العبد بربوبية الله عز وجل.

الذكر الخامس:
«اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة»، وهو من الأدعية التي تجمع خير الدنيا والآخرة، وتعصم الإنسان من البلايا والمصائب.

الذكر السادس:
«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»، دواءٌ فعّال لكل قلبٍ أثقله الحزن أو أنهكه الدَّين أو كَبَّلَه الضعف.

الذكر السابع:
«اللهم عالم الغيب والشهادة...»، دعاءٌ يورث الخشية ويُشعر العبد برقابة الله الدائمة.

الذكر الثامن:
«يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»، وهو استعانة خالصة بالله، يُصلح به العبد شأنه ويستعين به على كل أمرٍ يعجز عنه.

الذكر التاسع:
«سبحان الله وبحمده مائة مرة»، فالتسبيح غراس الجنة، وبه يُمحى الوزر وتُرفع الدرجات.

الذكر العاشر:
«سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه» ثلاث مرات، وفيه تسبيحٌ بلسانٍ ممتلئ بالرضا والمحبة لله.

أذكار المساء من القرآن الكريم.. آيات تحفظ وتُحصّن

لم يقتصر الذكر على الأدعية النبوية فقط، بل شمل كذلك تلاوة سورٍ وآياتٍ قرآنية تحمل معاني الحفظ والوقاية، ومن أهمها:

سورة الإخلاص والمعوذتان:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قُلْ هُوَ الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»، فهي سورٌ تُحصّن المؤمن من الشرور والحسد والسحر.

آية الكرسي:
تلك الآية التي وصفها العلماء بأنها أعظم آية في كتاب الله، تحفظ قارئها من الشيطان حتى يصبح، لما فيها من معاني العظمة والقدرة والقيومية.

تلاوة هذه الآيات في المساء ليست مجرد ترديد، بل هي تفعيل لمعاني الإيمان، وتأكيد على أن الله هو الحافظ من كل سوء، وأن من اعتصم به فلن يضيعه.

أدعية المساء

وفي سكون الليل، حين تميل النفوس إلى الصفاء، يرفع المؤمن كفيه متضرعًا إلى ربه بأدعية جامعة، منها:

«اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله»، وهو من أجمع الأدعية التي تضم خير الدنيا والآخرة.

«اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري»، دعاء يبدد الحزن ويملأ القلب نورًا وإشراقًا.

«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت»، دعاء فيه تسليم كامل لأمر الله وتوكل مطلق عليه.

«اللهم رب السماوات السبع وما أظلت»، تذكير بعظمة الله واستعاذة من شر الخلق والشيطان.

هذه الأدعية تُعيد صياغة العلاقة بين العبد وربه، فهي ليست مجرد كلمات، بل مناجاة روحية تنقل القلب من ضيق الدنيا إلى سعة الرجاء الإلهي.

تم نسخ الرابط