رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

جدل على مواقع التواصل.. فنانة تزعم أن الله «أذن لها» بخلع الحجاب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تصريحات مثيرة أطلقتها إحدى الفنانات أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة، بعدما أعلنت أنها «استأذنت الله قبل خلع الحجاب، وانتظرت شهرًا ونصفًا دون أن تتلقى علامة بالرفض، فشعرت بالقبول لأن الله جميل ويحب الجمال».

هذا التصريح الذي أثار جدلًا واسعًا بين المتابعين، اعتبره كثيرون إساءة فكرية وخلطًا بين المفهوم الروحي والطاعة الشرعية، ما استدعى تدخل علماء الأزهر لتوضيح حقيقة الموقف الشرعي.

من بين الأصوات التي ردت بحسم، جاء الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، الذي شدد على أن الحجاب ليس تجربة وجدانية أو شعورًا داخليًا، بل فريضة شرعية ثابتة بنصوص القرآن والسنة، لا تقبل الاجتهاد أو التأويل الشخصي.

الحجاب فريضة شرعية.. لا اجتهاد في النصوص القطعية

قال الدكتور قابيل في تصريحاته إن الحجاب أمرٌ إلهي صريح ورد في آياتٍ قاطعةٍ من القرآن الكريم، مؤكدًا أن «فريضة الحجاب» لا تُبنى على المزاج أو الإلهام، بل على النص الواضح الذي لا يحتمل تأويلًا.
واستشهد بقوله تعالى:

«وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...» [النور: 31].

وأوضح أن هذه الآية جاءت بأسلوب الأمر، ما يجعل الالتزام بالحجاب واجبًا شرعيًا لا يملك الإنسان التخيير فيه، مشيرًا إلى أن الحجاب فُرض لحماية المجتمع وصيانة المرأة من الابتذال، لا لحرمانها من الجمال أو حرية الاختيار.

كما أورد حديث النبي ﷺ الذي رواه أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها حين قال لها:

يا أسماءُ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه.

وأكد العالم الأزهري أن الحديث يحدد بوضوح حدود الزينة المباحة، وهو ما أجمع عليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، معتبرًا أن كشف الشعر أو الجسد مخالفة شرعية صريحة لا تبررها أهواء أو مبررات فنية أو نفسية.

بين الوحي والهوى.. لا «استئذان» في الأحكام الإلهية

توقف الدكتور قابيل عند فكرة «استئذان الله» التي روجت لها الفنانة، مؤكدًا أن هذه العبارة تعكس جهلًا بحقيقة العلاقة بين العبد وربه، فالله تعالى قد أنزل وحيه وأوضح أوامره في كتابه الكريم وسنة نبيه، ولا يحتاج الإنسان بعد ذلك إلى «علامة سماوية» ليعرف الحلال من الحرام.

وقال: «ميزان الطاعة في الإسلام هو النص الشرعي، لا الإحساس الداخلي، ولا الراحة النفسية، ولا ما يوهم الإنسان بأنه إلهام رباني»، مستشهدًا بقوله تعالى:

«أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا» [فاطر: 8].

وأوضح أن الإحساس بالراحة بعد ارتكاب المعصية ليس علامة على رضا الله، بل قد يكون نوعًا من تسويغ الشيطان للخطأ في صورة طمأنينة زائفة.
وشدد على أن محبة الله الحقيقية لا تكون بالمشاعر فقط، بل بالاتباع، لقوله تعالى:

«قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» [آل عمران: 31].

وأكد أن من يدّعي حب الله عليه أن يُبرهن عليه بالعمل، لا بادعاءات فردية تخالف أوامره.

حديث «الله جميل يحب الجمال».. في غير موضعه

رد الدكتور قابيل أيضًا على توظيف الفنانة لحديث النبي ﷺ «إن الله جميل يحب الجمال» لتبرير خلع الحجاب، موضحًا أن الحديث لا علاقة له بالمظهر أو اللباس، وإنما ورد في سياق النهي عن الكبر والعجب.
وقال: «الجمال الذي يحبه الله هو جمال القلب والأخلاق والتواضع، لا جمال التبرج وإظهار الزينة للناس».
وبيّن أن الإسلام لم يعادِ الجمال قط، بل دعا إليه في حدود الانضباط الشرعي، فالجمال في الإسلام يتحقق بالطاعة والعفة والنقاء، لا بانتهاك حدود الله أو مخالفة أوامره.

الحجاب حماية للكرامة لا قيد على الحرية

أكد العالم الأزهري أن الحجاب لا ينتقص من حرية المرأة أو مكانتها، بل يرتقي بها ويحمي كرامتها.
وأوضح أن الشريعة عندما أمرت بالحجاب لم يكن الهدف التضييق على النساء، بل حفظ المجتمع من مظاهر الانحراف وحماية الأسرة من الانهيار القيمي.

وأضاف أن المرأة المحجبة تُعبّر عن وعيها بدينها واعتزازها بكرامتها، وأن تصوير الحجاب كرمز للقيود الفكرية أو التخلف الحضاري هو خطاب مضلل يناقض مقاصد الإسلام السمحة التي جمعت بين الحياء والعقل والجمال

بين المعصية والتوبة.. الأمل لا يغيب

ولم يغلق الدكتور قابيل باب الرحمة، إذ أكد أن من تخلع الحجاب لا تخرج من الملة، لكنها تحتاج إلى توبة صادقة واستغفار.
وقال: «الله تعالى غفور رحيم، يقبل التائبين مهما كانت ذنوبهم، ولكن لا يصح تحويل المعصية إلى مبرر ديني أو مادة للجدل الإعلامي».

كما حذّر من توظيف القضايا الدينية الحساسة لتحقيق الشهرة أو إثارة الجدل، مؤكدًا أن الدين ليس مادة للترفيه أو التريندات، وأن من أراد محبة الله عليه أن يطلبها بالصدق لا بالاستعراض.

 

تم نسخ الرابط