رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

هل يجوز الحديث عن الآخرين؟.. دار الإفتاء تشرح الضوابط الشرعية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في زمنٍ باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة للحديث عن الآخرين وتبادل الآراء حول تصرفاتهم، تكثر التساؤلات حول حدود الكلام المشروع والمحرّم وفي هذا السياق ورد إلى دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك» سؤالٌ جاء فيه:

"هل من الغيبة ذكر الأشخاص بصفاتهم وأعمالهم السيئة؟"

السؤال الذي يعبّر عن ظاهرةٍ اجتماعية متزايدة، تلقّى إجابةً وافية من الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الذي أوضح بجلاء أن ذكر الناس بما يكرهون يعد من الغيبة المحرمة شرعًا، إلا في حالاتٍ محددة تبيح ذلك لضرورةٍ معتبرة.

تعريف الغيبة في السنة النبوية

استشهد الدكتور أحمد وسام بحديث النبي ﷺ الذي قال فيه:

"الغيبة ذكرك أخاك بما يكره"

مبينًا أن هذا التعريف النبوي جامعٌ مانع، يوضح أن الغيبة ليست مجرد نقل كلامٍ سيئ، بل تشمل أي ذكرٍ لإنسانٍ بما يكرهه في غيبته، سواء كان القول صادقًا أو مبالغًا فيه.
وأضاف أن الخطر الحقيقي للغيبة يكمن في كونها تهتك ستر الإنسان وتسيء إلى سمعته، حتى وإن كانت الوقائع صحيحة فالشريعة الإسلامية تحرص على صيانة الأعراض كما تصون الأموال والأنفس، وهو ما جعل الغيبة في مرتبة الكبائر.

الاستثناءات المعتبرة شرعًا

وعلى الرغم من التحريم الصريح للغيبة، أوضح أمين الفتوى أن هناك حالات محددة لا تعد من الغيبة، إذا كان القصد منها مصلحة عامة أو دفع ضرر، مثل:

1. التحذير من شخصٍ يُخشى شره أو ظلمه، كمن يحذر من التعامل مع الغشاش أو الظالم حفاظًا على الآخرين.

2. رفع الشكوى إلى من بيده سلطة أو قدرة على إنصاف المظلوم، كالقاضي أو المسؤول.

3. الاستفتاء الشرعي، عندما يُسأل المفتي عن حال شخصٍ بغرض معرفة الحكم، لا بغرض التشهير.

وأشار الدكتور وسام إلى أن هذه الاستثناءات مرتبطة بالنية، فالمقصد هو ما يحدد الحكم، موضحًا أن ذكر الإنسان بما يكره دون مبرر شرعي يعد غيبة محرمة لا يُقبل فيها العذر.

الغيبة والنميمة من الكبائر التي تهدم العلاقات

أكدت دار الإفتاء المصرية أن الغيبة والنميمة ليستا مجرد أخطاءٍ عابرة في القول، بل كبائر من الكبائر التي تُفسد القلوب والعلاقات، وتزرع الشقاق بين الناس، وقد شددت النصوص الشرعية على خطورتهما.
وأضافت أن الله سبحانه وتعالى وصف المغتابين في القرآن بأبشع الصور، فقال تعالى:

{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}.

فمن يغتاب أخاه المسلم كأنه يأكل لحمه ميتًا، في إشارةٍ إلى بشاعة الفعل وقسوته على كرامة الإنسان.

التوبة من الغيبة.. طريق العودة إلى الصفاء

وفيما يتعلق بالتوبة من الغيبة والنميمة، أكدت دار الإفتاء أن باب التوبة مفتوح دائمًا، وأن الله تعالى يغفر الذنوب كلها لمن تاب توبة نصوحًا، لكنها فرّقت بين الذنوب المتعلقة بحق الله وتلك المتعلقة بحقوق العباد.
فالله يغفر ما كان بين العبد وربه، أما الذنوب التي فيها اعتداء على حقوق الناس فلا تُغفر إلا بعد التحلل من المظالم أو الاستغفار والدعاء للمغتاب.

وبيّنت دار الإفتاء أن شروط التوبة الصادقة من الغيبة تشمل:

1. الندم على ما صدر من قولٍ مسيء.

2. الإقلاع عن الغيبة وعدم تكرارها.

3. الإخلاص في التوبة ابتغاء وجه الله.

4. العزم على عدم العودة إلى الفعل مرة أخرى.


كما أوضحت أن من أفضل وسائل التوبة أن يستغفر المغتاب للشخص الذي ذكره بسوء، وأن يذكره بخيرٍ في غيبته تعويضًا عما قاله عنه سابقًا.

هل يجب إخبار من اغتبناه؟.. الإفتاء توضح

أحد أكثر الأسئلة حساسية هو: هل يجب أن أخبر من اغتبته بما قلت؟
تجيب دار الإفتاء بأن الإخبار ليس شرطًا للتوبة، بل قد يؤدي إلى الفتنة والخصومة، وهو ما لا يرضاه الشرع.
ولهذا، فالأفضل أن يتوب المغتاب سرًّا بينه وبين الله، ويجتهد في الاستغفار لصاحبه، وأن يتحدث عنه لاحقًا بالخير، دون إثارةٍ للمشكلات أو كشفٍ لما مضى.

وشددت دار الإفتاء على أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، استنادًا إلى حديث النبي ﷺ:

"التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (رواه ابن ماجه).

كفارة الغيبة والنميمة

أشارت دار الإفتاء إلى أنه لا كفارة مالية محددة للغيبة، بل كفارتها التوبة النصوحة والاستغفار، مع ردّ الحقوق المعنوية عبر الاعتذار أو الدعاء أو الثناء الحسن.
كما أوصت المسلمين بـالابتعاد عن المجالس التي يكثر فيها الكلام عن الناس، لأن المشاركة أو الصمت في تلك المجالس من غير إنكارٍ يعد مشاركة في الإثم.

نصائح عملية للتخلص من الغيبة والنميمة

قدّمت دار الإفتاء مجموعة من الوصايا الإيمانية للتغلب على هذه العادة السيئة التي تهدد الصفاء الروحي والاجتماعي، ومن أبرزها:

الإكثار من ذكر الله؛ فالقلب الذاكر مشغول بربه عن عيوب الناس.

المداومة على الصلاة التي تزكّي النفس وتطهر اللسان.

استشعار رقابة الله في كل قولٍ وفعل.

نصح من يمارس الغيبة بلطفٍ ورحمة، لا بتعنيفٍ أو تجريح.

تذكير النفس والآخرين بعقاب الله لمن يؤذي الناس بألسنتهم.

وأكدت الدار أن القلوب السليمة لا تخوض في أعراض الناس، وأن الله تعالى يحب عباده المتطهرين من الغيبة والنميمة، كما يحب من يسعى لإصلاح ذات البين بدل إفسادها.

الإفتاء: التوبة الصادقة تمحو الذنب

اختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن باب الرحمة الإلهية لا يُغلق في وجه التائبين، وأن الله سبحانه وتعالى يقبل من عباده التوبة الصادقة مهما عظمت الذنوب، مستشهدةً بقول الله تعالى:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}.

وأكدت أن الغيبة والنميمة تؤذي القلوب وتفسد العلاقات، لكن التوبة الصادقة تصلح ما أفسدته الألسنة، وتعيد للنفوس نقاءها، وللمجتمع أمنه الروحي والاجتماعي.

تم نسخ الرابط