رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

شيخ الأزهر والفاتيكان.. الأديان تتحد لنصرة الإنسان وصون السلام

جانب من اللقاء
جانب من اللقاء

في مشهد يعيد إلى الأذهان روح أبوظبي 2019 التي شهدت توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، عاد الحوار الإسلامي المسيحي ليتصدر المشهد مجددًا من القاهرة، حيث استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، المطران إدغار بينيا بارا، وكيل الشؤون العامة بأمانة سر دولة الفاتيكان، والوفد المرافق له، في لقاء اتسم بالدفء الديني والعمق الإنساني.

لم يكن اللقاء مجرد زيارة بروتوكولية، بل جاء كرسالة واضحة للعالم بأن الأديان لم تُخلق للتناحر، بل لتلتقي عند مائدة السلام، وأن التعاون بين الأزهر والفاتيكان ما زال حجر الزاوية في مواجهة التوترات الدينية والسياسية التي تمزق العالم.

الطيب والمطران.. لقاء على طريق الأخوة الإنسانية

بدأ اللقاء بتحية حارة نقلها المطران إدغار بينيا بارا من قداسة البابا لاون الرابع عشر إلى شيخ الأزهر، تضمنت تمنيات قداسته له بالصحة والعافية، وتأكيد حرص الكنيسة الكاثوليكية على استمرار التعاون مع الأزهر الشريف في نشر رسالة السلام والأخوة إلى العالم.

وأكد المطران خلال حديثه تقديره العميق لفضيلة الإمام الأكبر، معتبرًا أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها شيخ الأزهر مع البابا فرنسيس الراحل ستظل “نقطة مضيئة في التاريخ الحديث”، لأنها جسدت معنى تلاقي الأديان على خدمة الإنسان.

وأضاف المطران أن رؤية البابا لاون الرابع عشر حول الأوضاع الراهنة تتطابق مع رؤية الإمام الأكبر، وهو ما يعزز ضرورة استمرار العمل المشترك بين المؤسستين في ظل عالم مضطرب يحتاج إلى الحكمة والرحمة أكثر من أي وقت مضى.

شيخ الأزهر: الأديان لا تتصارع بل تتحاور وتلتقي 

من جانبه، رحّب الإمام الأكبر بضيفه الكريم، مؤكدًا أن العلاقة بين الأزهر والفاتيكان ليست وليدة اللحظة، بل هي ثمرة عقود من الحوار المتواصل الذي تعزز خلال عهد البابا فرنسيس، الذي وصفه الإمام بـ"رجل السلام الحقيقي" الذي حمل همّ الإنسانية، ودافع عن المظلومين في كل مكان.

وأضاف الطيب أن الأزهر لمس في قداسة البابا لاون الرابع عشر نفس الروح الإنسانية التي ميزت سلفه، مشيرًا إلى أنه لمس في كلماته ومواقفه الأخيرة تعاطفًا صادقًا مع الشعوب المستضعفة، خصوصًا في غزة الجريحة والسودان المنكوب، ما يعكس رؤية مسيحية تتلاقى مع الموقف الإسلامي في رفض الظلم والدعوة إلى الرحمة.

وشدد شيخ الأزهر على أن الأديان لا تتصارع كما يروّج البعض، بل تتحاور وتلتقي في جوهرها الإلهي الذي يقوم على المحبة والسلام.

وقال فضيلته: "من الخطأ أن تُستخدم الأديان كأدوات في الصراعات السياسية أو كمبررات للعنف. فالله لم يبعث رسله ليقاتل الناس بعضهم بعضًا، بل ليقيموا العدل والرحمة بينهم".

تحذير من فوضى العالم المعاصر: القيم تُقصى والإنسان يُهان

وفي طرح فكري عميق، تناول الإمام الأكبر حالة العالم اليوم، واصفًا إياها بـ"حالة الفوضى واللامنطقية"، مؤكدًا أن العالم يعيش أزمة أخلاقية قبل أن تكون سياسية، حيث أصبحت قوة الدول تُقاس بقدرتها على التدمير لا البناء.

وأشار إلى أن تجارة السلاح والدمار باتت اللغة السائدة، في ظل تهميش القيم الدينية وإقصاء الضمير الأخلاقي عن الحياة العامة، مما أدى إلى انحدار إنساني خطير.

وأضاف الطيب أن الأرواح البريئة تُزهق دون حساب، لأن “العالم فقد بوصلته الروحية”، وأن العودة إلى قيم الأديان هي السبيل الوحيد لإنقاذ الإنسان من هذه الدوامة المظلمة.

المطران بينيا بارا: وثيقة الأخوة ستظل علامة خالدة في ذاكرة التاريخ

من جانبه، أشاد المطران إدغار بينيا بارا بالدور الريادي الذي يقوم به الأزهر الشريف في تعزيز قيم الحوار والتسامح بين الأديان، معتبرًا أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقّعها الإمام الأكبر والبابا فرنسيس عام 2019 ستبقى عالقة في ذاكرة التاريخ كأحد أهم إنجازات الحوار الديني في القرن الحادي والعشرين.

وأضاف المطران أن هذه الوثيقة أثبتت أن الإيمان الحقيقي لا يُبنى على الانغلاق، بل على الانفتاح على الآخر، وأنها شكّلت نموذجًا عمليًا لكيف يمكن للأديان أن تتكاتف من أجل حماية الإنسان والكرامة الإنسانية.

وأكد المطران أيضًا أن الكنيسة الكاثوليكية والأزهر الشريف يسيران على نهجٍ مشترك، وأن ما يجمع بين البابا لاون الرابع عشر والإمام الطيب هو الإصرار على مواجهة قسوة العالم بالرحمة، وغطرسة القوة بالحوار، وأنسنة الدين ليكون جسرًا بين الشعوب لا جدارًا يفصلها.

توحيد الرسالة الإنسانية: حوار يتجاوز الحدود

لم يقتصر الحديث بين الجانبين على القضايا الدينية، بل امتد إلى القضايا الإنسانية الكبرى التي تؤرق العالم المعاصر، وعلى رأسها معاناة الشعوب في مناطق النزاعات، والأزمات الأخلاقية التي تفتك بالمجتمعات.

وأكد الإمام الأكبر أن الأزهر سيواصل العمل مع الفاتيكان من أجل المستضعفين والمهمشين في كل مكان، وأن الحوار الديني ليس ترفًا فكريًا بل ضرورة لإنقاذ العالم من الانحدار نحو العنف والتطرف.

وأضاف أن الأزهر والفاتيكان يُقدمان نموذجًا واقعيًا لما يجب أن يكون عليه الدين في القرن الحادي والعشرين: دين للإنسان، لا دين ضد الإنسان، دين يمد اليد لا يرفع السلاح، ويزرع الأمل بدل الخوف.

تم نسخ الرابط