بين مخاطر التوسع وإغراءات التقسيط.. هل تعصف الأزمات بشركات «التمويل الاستهلاكي»؟

تعددت الشكاوى بالخصومات المزدوجة والتأخير في إغلاق الحسابات وصعوبة التواصل مع خدمة العملاء في الوقت المناسب وأحيانا عدم مطابقة السلع للمواصفات ما حاصر شركات التمويل الاستهلاكي في خانة التساؤلات الكبيرة..
الرقابة الإدارية تضع الضوابط
الرقابة المالية من ناحيتها وضعت قيودا لضمان عمل تلك الشركات بشكل صحيح، منها على سبيل المثال إلظام اتحاد التمويل الاستهلاكي بإعداد قائمة حظر للجهات والأشخاص التي تقوم بالتسييل النقدي للتمويل بغرض الاستهلاك، وينطيق القرار ينطبق على بائعي ومقدمي السلع والخدمات والسماسرة والعملاء والعاملين بالشركات
كما أقرت الرقابة الإدارية وقف التعامل المباشر مع أي طرف يثبت تورطه في ممارسات مخالفة مع عدم التعامل معهم مستقبلاً، مع إلزام الشركات باستبعاد كافة من يتم رصد واثبات قيامه بالتسييل النقدي للتمويل بغرض الاستهلاك من شبكة البائعين ومقدمي الخدمات، يجانب إلزام شركات التمويل الاستهلاكي باتخاذ الاجراءات القانونية ضد العاملين لديها ممن ثبت اشتراكهم في القيام بالتسييل النقدي الممنوح للعملاء.
حماية المتعاملين
الهيئة العامة للرقابة المالية أعلنت أن القرارات الجديدة حرصا على حماية المتعاملين في الأسواق المالية غير المصرفية وضمان استقرارها ونزاهة أنشطتها، وأكدت أن قرار إلزام الاتحاد المصري للجهات العاملة في مجال التمويل الاستهلاكي، بإعداد قائمة حظر تتضمن الجهات والأشخاص الذين يثبت قيامهم بالتسييل النقدي للتمويل الممنوح بغرض الاستهلاك يشمل جميع أطراف المنظومة من بائعي ومقدمي السلع والخدمات، والسماسرة، والعملاء، وكذلك العاملين بشركات التمويل الاستهلاكي.
وأكد القرار على وقف شركات التمويل الاستهلاكي التعامل المباشر مع أي طرف يثبت قيامه بالتسييل النقدي مع عدم التعامل معه مستقبلاً، مع استبعاد كافة من يتم رصد أو إثبات قيامه بالتسييل النقدي من شبكة البائعين ومقدمي الخدمات، كما ألزمت الهيئة شركات التمويل الاستهلاكي باتخاذ الإجراءات القانونية ضد العاملين لديها ممن يثبت اشتراكهم في القيام بالتسييل النقدي للتمويل الممنوح للعملاء، مع إلزام تلك الشركات بإخطار الاتحاد بقائمة بأسماء المتورطين والمستندات المؤيدة لذلك.
وتضمن القرار أيضًا إلزام اتحاد التمويل الاستهلاكي بالربط الإلكتروني مع الهيئة لتوفير كافة البيانات والمعلومات المتاحة لديه عن الوقائع، بما يعزز من كفاءة المتابعة والرقابة على السوق.
الإسكور ضرورة
وفي هذا السياق، شددت الهيئة على إخطار شركات الاستعلام الائتماني ببيانات العملاء الذين يثبت اشتراكهم في عمليات التسييل النقدي، وذلك لضمان حماية المتعاملين وتحقيق الشفافية واستقرار الأسواق.
ويلتزم الاتحاد كذلك بإعداد قائمة دورية بالمخالفات والوقائع وإتاحتها لأعضائه وتحديثها بصورة مستمرة بناء على البيانات التي ترد إليه من شركات ومقدمي التمويل الاستهلاكي، بما يضمن وجود آلية واضحة لردع الممارسات الضارة بالنشاط وتعزيز الانضباط في نشاط التمويل الاستهلاكي، على أن يتم رفع من تم إدراجه بقائمة الحظر حال قيامه بتسوية أوضاعه.
شكاوى متكررة
تحرك الجهات الرقابية في ضبط سوق التمويل الاستهلاكي جاء نتيجة تكرار الشكاوي التي تتعلق بالخصومات المزدوجة والتأخير في إغلاق الحسابات وصعوبة التواصل مع خدمة العملاء في الوقت المناسب.
الشكاوى بدأت تتزايد خلال الشهور الأخيرة على سبيل المثال مع شركة (ف) للتمويل الاستهلاكي مع توسع الشركة في خدمات التقسيط والتمويل الاستهلاكي وانتشارها في عدد كبير من المتاجر والمنصات الإلكترونية.
عدد من العملاء قالوا إنهم اكتشفوا خصومات تمت من حساباتهم رغم سداد الأقساط كاملة، وإن التواصل مع الشركة لم يؤد إلى حلول نهائية وإن الردود كانت عامة أو غير دقيقة وبعضهم أشار إلى أن الشكاوى يتم تسجيلها دون متابعة أو رد فعلي حقيقي
مصادر داخل القطاع المالي أوضحت أن النمو الكبير الذي حققته الشركة في السوق المصري خلال السنوات الماضية، تسبب في ضغوط تشغيلية داخل أنظمة المتابعة والتحصيل وهو ما انعكس على تجربة المستخدمين، وأضافت أن المشكلة ليست في التقنية فقط لكنها تمتد إلى ضعف التواصل وضعف الكوادر المسؤولة عن حل المشكلات اليومية للعملاء.
العملاء أبدوا استياءهم من مكالمات التحصيل المتكررة بعد انتهاء الأقساط، وأكدوا أن الشركة مطالبة بإعادة مراجعة آلية التواصل ومتابعة الحسابات بشكل أكثر دقة وشفافية.
في المقابل أكدت الشركة في تصريحات سابقة أنها تراجع سياسات التعامل مع الشكاوى بشكل دوري وأنها ملتزمة بتقديم خدماتها وفق المعايير المعتمدة في سوق التمويل الاستهلاكي المصري.
لكن الأزمة تكشف عن فجوة واضحة بين توسع (ف) السريع وبين قدراتها التشغيلية الحالية ما يجعلها أمام اختبار حقيقي لاستعادة ثقة العملاء وضمان استمرارها في سوق يشهد منافسة قوية من شركات جديدة.
مخاطر التوسع السريع لشركات التقسيط
تزايد إقبال الأفراد على خدمات التقسيط خلال الفترة الماضية بعد ارتفاع وتيرة التضخم وتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مما أدى إلى الاعتماد على التمويل الاستهلاكى كأحد الحلول المالية التى تساعد فى تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية.
ويثير التوسع السريع فى التمويل الاستهلاكى الذى بات الحصول على أكثر سهولة مع انتشار تطبيقات الشراء الآن والدفع لاحقًا مخاوف من حدوث أزمة ائتمان فى القطاع.
وعادةً ما يلجأ الأشخاص إلى طلب التقسيط بدلاً من التنازل عن مستوى معيشة معين، من خلال الحصول على قروض شخصية، بطاقات ائتمان، وخيارات تقسيط، مما يثير تساؤلًا حول إمكانية انفجار فقاعة استهلاكية مع تزايد الطلب على التقسيط.
وليد حسونة، الرئيس التنفيذى لمنصة فاليو للشراء الآن والدفع لاحقًا، سبق وصرح أن التمويل الاستهلاكى ظاهرة حديثة تزايدت خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة، حيث يوفر للأفراد القدرة على الحصول على القروض بسهولة وشراء المنتجات والسلع التى يحتاجونها بنظام التقسيط.
ويرى أن تأثيره على المجتمع يتنوع بين تسهيل الوصول إلى السلع والخدمات، مما يتطلب أطر تنظيمية وقانونية لحماية المستهلك.
أضاف: يمكن أن يُعتبر التمويل الاستهلاكى فخًا للمستهلكين إذا لم يُستخدم بحكمة، حيث قد يؤدى إلى تحمل ديون كبيرة، لكنه أيضًا يمكن أن يكون أداة لإنقاذ الطبقة المتوسطة من التدهور المالى إذا تم استخدامه بشكل صحيح لسد الفجوات المالية.
وفقًا لتقرير هيئة الرقابة المالية، بلغ عدد عملاء التمويل الاستهلاكى نحو 1.77 مليون عميل خلال النصف الأول من 2024، مقابل 1.71 مليون عميل خلال نفس الفترة من العام الماضى، مرتفعة بنسبة 3.5%.
محمد الفقى، الشريك المؤسس والمدير التنفيذى لمنصة سيمبل لخدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا، يري أن سبل التقسيط لم تكن حديثة العهد أو غريبة على المجتمع المصرى، بل كانت موجودة فى صور مختلفة تضمن حقوق البائع من خلال دفع مقدم أموال لبعض المشتريات وتقسيط المبلغ المتبقى لاحقًا.
على الجانب الآخر، قال حازم مدنى، الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لشركة سهولة للتمويل الاستهلاكى، إن نشاط التمويل الاستهلاكى يعطى فرصة للمواطن لتجاوز الطبقة التى يعيش فيها، وهو ما قد يتحول إلى مأزق حيث قد يتعثر المستهلك فى تسديد ديونه فى النهاية.
وأضاف أن المشكلة تكمن أيضًا فى الرقابة على الأسواق المصرية والتجار الذين يستغلون المواطن من خلال زيادة أسعار المواد الأساسية، مما يدفعه للجوء إلى التمويل الاستهلاكى والشراء بالتقسيط.
في الوقت نفسه حذر خبراء التمويل الاستهلاكي من التوسع السريع في أنشطة شركات التمويل الاستهلاكي ما يحتمل مع ظهور أزمة في القروض الاستهلاكية، لكن في المقابل قلل البعض من خطورة هذا الاحتمال
وقف رخص تأسيس شركات التمويل الاستهلاكي
في فبراير 2024 تم وقف رخص تأسيس شركات التمويل الاستهلاكي ما فسره وقتها سعيد زعتر رئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي، بحرص هيئة الرقابة المالية المصرية على الرقابة على كل شركات التمويل الاستهلاكي وكافة الأنشطة غير المصرفية.
وأضاف زعتر في تصريحات تلفزيونية أن الهيئة ترى أنها بعد منحها ترخيصا لـ30 شركة في السوق المصرية، لابد من التوقف لفترة عن منح التراخيص حتى يتم تنظيم السوق بشكل جيد، وحتى تقيم الملاءة المالية للشركات العاملة.
فيما أكد دكتور إسلام عزام، نائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية حينئذ أنه سيتم إلزام شركات التمويل الاستهلاكي، ومتناهي الصغر التي سيتم تأسيسها مستقبلًا بتطبيق معايير اتفاقية "بازل3".
عدد شركات التمويل الاستهلاكي
بلغ عدد الشركات المرخص لها بمزاولة نشاط التمويل الاستهلاكي من الهيئة نحو 34 شركة، بجانب 12 مقدم خدمة، ويُعد نشاط التمويل الاستهلاكي أحد الأنشطة الخاضعة لإشراف ورقابة هيئة الرقابة المالية، وهو التمويل المخصص لشراء السلع والخدمات لأغراض استهلاكية، منها الخدمات التعليمية واشتراكات الأندية الرياضية وخدمات السفر والسياحة، وخدمات صيانة السيارات والأجهزة والمعدات الاستهلاكية، وحلول الطاقة المتجددة للمنازل، والخاضعة لإشراف ورقابة الهيئة العامة للرقابة المالية، وفقًا لقانون التمويل الاستهلاكي رقم 18 لسنة 2020.
أهمية شركات التمويل الاستهلاكي
على الرغم من اعتمادها على القروض في الشراء إلا أن شركات التمويل الاستهلاكي وفرت قوة شرائية إضافية للمواطنين، وأوجدت حلولا سريعا لضعف قوة الشراء عند البعض وفتحت أمامه خيارات للحصول على تخفيضات كبيرة بسبب التنافس بين الشركات.
وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية، منذ مايو الماضي، قائمة بالجهات السلبية التي تم رصدها بناءً على الشكاوى الواردة للهيئة، والتي تبين أنها تباشر أنشطة مالية غير مصرفية بالمخالفة لأحكام القوانين والقواعد المنظمة للخدمات المالية غير المصرفية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القائمة السلبية سيتم تحديثها بشكل دوري في ضوء المستجدات.
كما أطلقت الهيئة بريدًا إلكترونيًا مخصصًا لاستقبال شكاوى الأفراد الذين يتلقون دعوات للاستثمار أو التمويل تحتوي على شبهات غش أو تدليس أو احتيال، إضافة إلى بريد إلكتروني خاص بالشركات والمؤسسات الراغبة في التحقق من مدى التزام نماذج أعمالها بالمتطلبات التشريعية والرقابية، بما يضمن استقرارها وموثوقية خدماتها.