صدى عبد الناصر يتجدد في خيام غزة بعد 55 عامًا على رحيله

في الذكرى الخامسة والخمسين لرحيل جمال عبد الناصر، تبدو كلماته التي سجلها في السادس من سبتمبر عام 1970 مع الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه وكأنها لم تفقد حضورها؛ بل تعود اليوم لتطرق جدران الذاكرة مع كل خيمة جديدة تُنصب في قطاع غزة الممزق.
صدى "ناصر" في خيام غزة
كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يومها يتحدث بمرارة عن عزلة مصر في مواجهة إسرائيل، وعن مزايدات عربية تتهم القاهرة بالخيانة لمجرد قبولها بهدنة ثلاثة أشهر، بينما لم تُطلق البنادق في دمشق أو بغداد طلقة واحدة، قائلاً: «نحن نحارب وحدنا منذ 18 شهراً، بينما الآخرون يكتفون بالاتهامات».
ورغم أن نصف قرن مرّ، فإن صدى الجملة يكاد يُسمع اليوم في أصوات النازحين وهم يروون كيف تُركوا في مواجهة القصف بلا سند فعلي.
غزة اليوم.. خيمة وراء خيمة
تتسارع موجات النزوح داخل القطاع الضيق منذ وقت ليس بالقليل؛ أحياء بأكملها خلت من سكانها، مدارس الأونروا تحولت إلى ملاجئ، ثم إلى ساحات مكتظة يخيّم فيها الخوف أكثر من البرد.
مشاهد النساء الحاملات لأطفالهن على عجل، وكبار السن المتكئين على العصي في طرقات طويلة، ترسم صورة جديدة للتهجير، لكنها ليست جديدة على القضية نفسها، إذ تدفع فلسطين ثمن غياب الحسم، كما دفعت في زمن ناصر.

الأمس واليوم: المأساة نفسها بأسماء مختلفة
ناصر شكا من أن الفلسطينيين رفضوا أي حل جزئي، مفضّلين شعار «الكل أو لا شيء»، محذراً من ضياع القدس والضفة.
واليوم، تتجدد المعادلة نفسها مع فرض إسرائيل وقائع جديدة على الأرض، فيما تبقى الضفة مهددة بمصير مشابه، بينما الانقسام الفلسطيني الداخلي يزيد المشهد تعقيداً.
مرة أخرى، يسير الواقع نحو ما حذّر منه قبل 55 عاماً.

العزلة الإقليمية والسياسة المرهَقة
في التسجيل القديم، روى عبد الناصر أنه طلب من جيوش الجزائر والعراق وسوريا أن يأتوا للقتال إن لم يعجبهم موقف مصر، فلم يتلقَّ جواباً.
واليوم، تُطرح الأسئلة نفسها: أين الجيوش؟ أين القرارات الحاسمة؟ لا إجابة واضحة سوى بيانات وتصريحات متفرقة، بينما يظل الفلسطيني تحت القصف، يكرر معاناة عاشها أجداده قبل عقود.

وجوه الحاضر تكمل صوت الماضي
داخل أحد الملاجئ في غزة، قالت سيدة نازحة لأحد الصحفيين: «هربنا تحت القصف، لا نملك شيئاً إلا أطفالنا». هذه الجملة التي تُحكى اليوم تبدو وكأنها سطر إضافي في خطاب عبد الناصر عن الاعتماد على الشعب وحده حين يغيب الدعم الحقيقي.
آنذاك قال: «لم ولن نطلب دعماً عربياً… سنعتمد على شعبنا»، واليوم كأن الفلسطينيين يكررونها من تحت الركام.

إن استدعاء صوت عبد الناصر يظهر أن التاريخ لا يكرر نفسه حرفياً، لكنه يترك بصماته في الوعي الجمعي؛ فما كان أزمة سياسية صار اليوم مأساة إنسانية، وما كان نقاشاً عن هدنة أصبح نزوحاً يهدد بتغيير ديموغرافي شامل.
وفي كل ذلك، تظل غزة ساحة تختبر صدق العروبة، مثلما اختبرت صدق الشعارات في زمن ناصر.
