رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الهجرة والهوية الإسلامية.. جدل مستمر في الغرب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

الهجرة ليست مجرد قرار اقتصادي أو اجتماعي، بل هي قضية هوية ووجود فمنذ أن خرج النبي ﷺ وصحابته من مكة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، ارتبطت الهجرة في الوعي الإسلامي بالبحث عن بيئة تحفظ الدين وتؤمّن الكرامة أما اليوم، فإن مئات الآلاف من المسلمين يتركون أوطانهم متجهين نحو الغرب، مدفوعين بأسباب متعددة: طلب العلم، تحسين مستوى المعيشة، الهروب من الحروب والصراعات. 

لكن وسط هذه الرحلة يبقى السؤال الملح: كيف يحافظ المهاجر المسلم على دينه وسط مجتمع مختلف جذريًا في قيمه وتشريعاته؟ وهل الهجرة خيار شرعي محمود أم أنها باب فتنة وذوبان في الآخر؟

في هذا التقرير يستعرض موقع تفصيلة جذور القضية في النصوص الإسلامية، ونقترب من مواقف الفقهاء والمؤسسات الدينية.

الهجرة في السيرة النبوية.. دروس من الماضي

أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الهجرة هو مشهد الصحابة وهم يغادرون مكة إلى الحبشة، حين قال لهم النبي ﷺ: «إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد». 

كانت تلك أول هجرة في الإسلام، حملت رسالة واضحة: أولوية الدين والحفاظ على العقيدة حتى لو كان ذلك تحت راية ملك غير مسلم.

ثم جاءت الهجرة الكبرى إلى المدينة، التي تحولت إلى لحظة فاصلة في تاريخ الإسلام، حتى جعلها الفاروق عمر رضي الله عنه بداية للتقويم الهجري في كلا الحالتين لم تكن الهجرة مجرد فرار من الاضطهاد، بل كانت تأسيسًا لمرحلة جديدة من الدعوة وبناء الدولة.

هذه النماذج التاريخية تطرح سؤالًا معاصرًا: هل ما زالت الهجرة اليوم ضرورة دينية، أم أن السياق تغيّر بحيث باتت مرتبطة بضرورات معيشية وعلمية أكثر منها عقدية؟

الرؤية الشرعية للهجرة إلى الغرب

القرآن الكريم تحدث بوضوح عن الهجرة باعتبارها وسيلة لحماية الدين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُو۟لَٰٓئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ [البقرة: 218].

كما حذّر من التقاعس عن الهجرة في حالة الخوف على العقيدة، فقال:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلۡأَرْضِۚ قَالُوٓا أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٱسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا فِیهَا﴾ [النساء: 97].

فقهاء الإسلام فرّقوا بين حالتين:

الهجرة الواجبة: إذا لم يستطع المسلم إظهار شعائره أو خشي على دينه وأبنائه.

الهجرة الجائزة: إذا كان قادرًا على إقامة دينه، بل قد تصبح مستحبة إن ترتب عليها نشر الإسلام أو تعلم علم نافع.

يؤكد ذلك حديث النبي ﷺ: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (رواه البخاري)، ليدل على أن جوهر الهجرة ليس فقط الانتقال المكاني، بل أيضًا المفارقة المعنوية للمعاصي.

الواقع المعاصر.. دوافع الهجرة إلى الغرب

لم تعد الهجرة اليوم مرتبطة فقط بالفرار من الاضطهاد الديني، بل صارت لها أسباب متعددة:

البحث عن التعليم: كثير من الطلاب يهاجرون إلى أوروبا وأمريكا للحصول على درجات أكاديمية متقدمة.

فرص العمل: الهجرة الاقتصادية هي الأكثر شيوعًا، حيث يسعى المهاجر لتحسين أوضاعه المالية.

اللجوء السياسي: خاصة مع ما تشهده بعض الدول العربية والإسلامية من صراعات وحروب.

لكن مهما اختلفت الدوافع، يبقى التحدي واحدًا: كيف يتعامل المسلم مع بيئة تختلف عن بيئته الأصلية في التشريعات، القيم، والعادات؟

تحديات الهوية الإسلامية في بلاد الغربة

الهجرة إلى الغرب تضع المسلم أمام معركة يومية للحفاظ على هويته، ومن أبرز التحديات:

1. تربية الأبناء: المدارس الغربية تطرح مناهج وقيمًا تختلف عن ما يتعلمه الطفل في البيت المسلم، مما يخلق صراعًا تربويًا.

2. الاندماج الاجتماعي: المسلم يُطالب بالاندماج الكامل، بينما يخشى أن يؤدي ذلك إلى ذوبان هويته.

3. التمييز : تقارير المنظمات الحقوقية تكشف تصاعد الاعتداءات ضد المسلمين في الغرب.

4. الممارسات الدينية: مثل صعوبة الالتزام بالصلاة في أوقات العمل، أو الحصول على طعام مذبوح وفق الشريعة.

المؤسسات الدينية.. موقف الأزهر والفقهاء المعاصرين

الأزهر الشريف أصدر أكثر من بيان حول الهجرة، أكد فيها أن المسلم إذا أقام في الغرب يجب أن يتمسك بدينه وأن يسعى إلى الاندماج الإيجابي دون التخلي عن ثوابته.

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أوضح في فتاواه أن الإقامة في بلاد غير المسلمين جائزة بشرط القدرة على ممارسة الشعائر، وأن على المسلم أن يكون سفيرًا لدينه.

أما المجامع الفقهية في السعودية والكويت فقد شددت على أن الإقامة في الغرب لا تجوز إذا خشي المسلم على دينه أو دين أولاده، معتبرة الهجرة في هذه الحالة خطرًا دينيًا.

لا يمكن إنكار أن للهجرة فوائد كبيرة، مثل تحسين الدخل والحصول على تعليم متطور، وأحيانًا توفير حرية دينية قد لا تتاح في بعض الدول الإسلامية. لكن الخطر يكمن في الانبهار بالغرب وفقدان الهوية تدريجيًا، وهو ما يجعل المسلم في معركة دائمة بين المكاسب المادية والخسائر الروحية.

الهجرة الحقيقية إلى الله ورسوله

الهجرة إلى الغرب ستظل قضية مفتوحة على جدل فقهي واجتماعي لكنها في جوهرها اختبار للإيمان فإذا استطاع المسلم أن يحافظ على دينه، ويربي أبناءه على الإسلام، وينقل صورة صحيحة عن المسلمين، فإن هجرته قد تكون بابًا للخير أما إذا فقد هويته وانصهر في مجتمع الغربة حتى ذاب فيه، فقد خسر أغلى ما يملك.

ويبقى حديث النبي ﷺ جامعًا في هذا السياق: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (رواه البخاري).

تم نسخ الرابط