في مولده الشريف.. أطعمة وحلوى كان يفضلها النبي ﷺ

في ذكرى مولد خير البرية محمد ﷺ، لا تتوقف القلوب عن البحث عن كل ما يتعلق بسيرته العطرة، وأدق تفاصيل حياته اليومية، ليبقى نور هديه ممتدًا إلى يوم الدين ومن بين الجوانب التي تثير اهتمام المسلمين وغير المسلمين على السواء، ما كان يحبه النبي ﷺ من الأطعمة والحلوى، وكيف جسّد في مأكله ومشربه معاني الاعتدال، والتوازن، والشكر لله تعالى على نعمه.
لقد علّم النبي ﷺ الأمة أن الطعام ليس مجرد شهوة أو عادة يومية، بل هو عبادة إذا صاحبتها النية، وضبطتها القيم الشرعية. فقد قال ﷺ: «ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنِه، حسبُ ابنِ آدمَ أكلاتٌ يقمنَ صلبَه، فإن كان لا محالةَ فثلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه» ومن هنا كان طعامه بسيطًا، بعيدًا عن الإسراف، قائمًا على الطيبات التي أباحها الله، محققًا التوازن الذي تحتاجه النفس والبدن معًا.
قاعدة نبوية: الجوع قبل الأكل والاعتدال بعده
من أبلغ ما ورد في هذا الباب ما ذكرته دار الإفتاء المصرية، أن النبي ﷺ كان يُعلّم أصحابه أن الاعتدال في الطعام أساس العافية بل إن المقوقس حين أهدى للنبي طبيبًا، أجابه ﷺ بقوله: «ارجع إلى أهلك، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع» وهو منهج وقائي سبق الطب الحديث بقرون، إذ جعل من ضبط المعدة مفتاحًا للصحة، فالمعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء.
الحلوى والعسل.. غذاء الروح والجسد
روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يحب الحلوى والعسل، كما جاء في صحيح البخاري: «كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والعَسَلَ» لكن حبه للحلوى لم يكن إسرافًا في السكر أو الترف، بل ميلًا إلى الطيبات التي تهب الجسد نشاطًا وتدخل على النفس سرورًا وقد أشار القرآن إلى قيمة الطعام الطيب في قصة أهل الكهف: {فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا} [الكهف: 19].
الثريد.. أحب الأطعمة إلى قلبه الشريف
من أبرز الأطعمة التي أحبها النبي ﷺ الثريد، وهو خبز يقطع في المرق واللحم وقد قال النبي ﷺ في حديث صحيح: «وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» والسر في هذا التشبيه أن الثريد كان جامعًا بين الغذاء السهل الهضم، والطعم الشهي، والفائدة الصحية، مما يعكس رؤية نبوية دقيقة في اختيار الأطعمة النافعة.
لحم الكتف والظهر.. الجزء الأطيب من الشاة
كان النبي ﷺ يفضل لحم الكتف والظهر من الشاة، فقد ورد عنه ﷺ قوله: «أطيب اللحم لحم الظهر» وكان يأكل من لحم الكتف كما في روايات متعددة، وهو ما يشير إلى ذوق نبوي رفيع في اختيار أطيب الأجزاء وألذها.
الخضروات والبقول.. القثاء والدباء مثالًا
لم تخلُ مائدة النبي ﷺ من الخضروات والبقول، فقد ورد عنه أنه أحب القثاء (الخيار)، وكان يأكله بالرطب كما أحب الدباء (القرع)، حتى قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «رأيت رسول الله ﷺ يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، فما زلت أحب الدباء منذ ذلك اليوم» هذه اللمسة النبوية تكشف حرصه على الأطعمة الخفيفة النافعة، التي تجمع بين الغذاء والفائدة الصحية.
الفواكه.. الرطب والبطيخ في مقدمتها
أما الفواكه، فقد كانت مكانتها مميزة في غذاء النبي ﷺ، وكان أحبها إليه الرطب والتمر، لما فيهما من فوائد عظيمة، قال تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]. كما ورد أنه كان يحب البطيخ، ويأكله مع الرطب، ليجمع بين الحرارة والبرودة، في توازن طبيعي بديع يسبق الطب الحديث في مفهوم "التغذية المتوازنة".
أطعمة لحمية.. الأرنب والدجاج شاهدان
لم يكن طعام النبي ﷺ مقتصرًا على نوع واحد، بل تنوعت أصنافه باعتدال:
الأرنب: ورد عن أنس بن مالك أنه قدّم للنبي ﷺ فخذ أرنب فأكله.
الدجاج: روي أن النبي ﷺ أكله، وردّ على من تحرج منه بأنه طعام حلال طيب.
بهذا يثبت أن السنة النبوية لا تحرّم ما أحلّه الله، بل تربي على الوعي الغذائي، دون غلو أو تقصير.
الخل.. الإدام البسيط الذي مدحه النبي
من أبرز ما يلفت النظر، أن النبي ﷺ كان يمدح الخل رغم بساطته، فقد قال: «نِعم الإدام الخل، نِعم الإدام الخل» في هذا درس عظيم في القناعة والرضا بما يتيسر، فالمهم أن يكون الطعام حلالًا وطيبًا، لا أن يكون فخمًا أو متكلفًا.
البعد الروحي للطعام النبوي
كل هذه الأطعمة لم تكن مجرد مأكل، بل كانت تحمل رسالة:
الاعتدال: في الكم والنوع، بعيدًا عن الإسراف.
الطيبات: الحرص على ما هو نافع وصحي.
الشكر لله: بتذوق النعمة دون بطر.
البعد عن الغلو: لا حرمان زائد، ولا شراهة مفرطة.
فقد كان النبي ﷺ يذكّر أصحابه أن بركة الطعام في الذكر والشكر، فقال: «اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه».
الدروس المستفادة للمسلمين اليوم
في زمن الإفراط الغذائي وانتشار الأمراض المرتبطة بالسمنة والدهون، تعود السيرة النبوية لتمنحنا أعظم درس: أن سر الصحة يكمن في البساطة، والاعتدال، والالتزام بقاعدة «ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».