رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

جذع حنَّ للنبي ﷺ.. حين بكت الخشبة شوقًا لرسول الله

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في ذكرى مولد سيدنا محمد ﷺ، تتجدد الذكريات التي تحمل في طياتها معجزات شاهدة على عظمته ومكانته، ليس فقط في قلوب البشر، بل حتى في الجماد الذي أحبه واشتاق إليه واحدة من أبرز هذه المعجزات التي أثبتت أثر النبي العظيم في كل ما حوله، قصة حنين جذع النخلة الذي كان رسول الله ﷺ يخطب عنده في مسجده الشريف بالمدينة، فلما فارقه إلى المنبر الجديد، بكى الجذع بصوت سمعه الصحابة، حتى احتضنه النبي فسكن. 

إنها قصة تختصر معنى الرحمة والحنان الذي عمَّ كل شيء، وتجعلنا نتوقف أمام دلالات حب الجماد للنبي، وكيف أنه كان رحمةً مهداة للخلق أجمعين.

جذع النخلة الذي حمل خطب الجمعة

يروي الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن النبي ﷺ كان يخطب يوم الجمعة مستندًا إلى جذع نخلة منصوب في مسجده وكان الناس يلتفون حوله ليسمعوا خطبته. 

وذات يوم جاء رجل رومي، واقترح أن يصنع للنبي منبرًا، يرفع مكانته ويسهل على الناس رؤيته وسماع صوته فصُنع المنبر بدرجتين، وجلس النبي ﷺ على الثالثة، وهو المنبر الذي ما زال أثره باقيًا في مسجد النبي بالمدينة المنورة.

لكن اللحظة المفصلية كانت حين ترك النبي ﷺ الجذع الذي اعتاد الوقوف عنده، وانتقل إلى المنبر الجديد. عندها حدثت الواقعة العجيبة التي سمعها الصحابة بأذانهم.

حنين الخشبة.. بكاء الجماد شوقًا للنبي

ما إن ترك النبي ﷺ الجذع حتى صدر منه صوت حنين وبكاء، كأنه صرخة فراق لم يحتملها الجماد. لقد سمع الصحابة ذلك الصوت، فوقفوا مشدوهين أمام مشهد لم تألفه العقول: جذع جامد يئن لفقد قربه من رسول الله ﷺ.

اقترب النبي ﷺ من الجذع واحتضنه، وهنا سكن أنينه وانقطع بكاؤه قال رسول الله ﷺ: «لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة» لم يكن الحنين مجرد رمز عاطفي، بل معجزة نبوية شاهدة على مكانة النبي ﷺ، وعلى أن أثره لم يقتصر على البشر، بل تعداه إلى الكائنات والجمادات.

النبي يحتضن الجذع ويعده بالجنة

يروي الدكتور علي جمعة أن النبي ﷺ لم يكتف بتهدئة الجذع، بل قال للصحابة ما يكشف عظمة الموقف: «سألني أن يكون رفيقي في الجنة، فقلت: أفعل إن شاء الله» إن النبي الكريم، الذي وصفه ربه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، لم يرد طلبًا حتى من الجماد الذي أظهر شوقًا إليه، فبشّره برفقة في دار الخلود.

وقد أمر النبي ﷺ بعد ذلك بدفن الجذع في المسجد، ليبقى أثره شاهدًا على هذه الكرامة.

الرحمة التي عمَّت الإنسان والحيوان والجماد

تتجلى في هذه القصة حقيقة كبرى: أن رحمة النبي ﷺ لم تكن قاصرة على البشر، بل شملت حتى الجمادات فقد قال ﷺ: «إنما أنا رحمة مهداة» وقال أيضًا: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

هذه الرحمة لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، إذ امتدت إلى الحيوان والطير وحتى الشجر والحجر. فإذا كان الجذع قد بكى لفراقه، أفلا يكون المسلمون أحق بالاشتياق إلى لقائه؟

شهادة الحسن البصري: أنتم أحق بالاشتياق

من أبرز ما رُوي في تعقيب التابعين على هذه القصة، ما قاله الحسن البصري رحمه الله حين كان يذكر حنين الجذع:
"يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله ﷺ شوقًا إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه".

بهذه الكلمات أراد الحسن أن يوقظ القلوب من غفلتها، ويذكرها بأن الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس مجرد رواية تُحكى، بل هو شوق دائم واتباع صادق لسيرته وهديه.

دلالات روحية ومعنوية للواقعة

قصة حنين الجذع ليست مجرد حادثة تاريخية، بل هي رمز عميق للصلة الروحية بين النبي ﷺ وكل ما حوله:

الجماد يحن إليه: دليل على أن محبته فطرة حتى في غير العاقل.

رحمته الممتدة: تجسيد لمعنى الرحمة العامة التي شملت الكون كله.

مقام النبوة: تأكيد على أن رسالته لم تكن عابرة، بل متصلة بالغيب والشهادة.

واجب الأمة: أن تعي أن الشوق للنبي ليس بكاءً أو كلمات، بل التزام بمنهجه وسنته.

في ذكرى المولد.. دروس وعِبر

مع إطلالة ذكرى مولده الشريف، تأتي قصة حنين الجذع لتذكر الأمة بأن حب النبي ﷺ ليس خيارًا عاطفيًا، بل هو ميثاق إيماني: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}. وإذا كان الجماد قد بكى لفقد قربه، فكيف بالقلوب التي انشغلت بالدنيا وغفلت عن سنته؟

إن استعادة هذه المعجزة اليوم تدعونا إلى:

تجديد العهد بالاقتداء بالنبي ﷺ في الأخلاق والسلوك.

تربية الأجيال على محبته الصادقة.

استحضار رحمته في التعامل مع البشر والبيئة والكائنات.

تم نسخ الرابط