لصوص الصلاة.. كيف يسرقون خشوع المسلم ويُبطلون أعظم عبادة؟

الصلاة هي عمود الدين وأعظم شعيرة في الإسلام، بها يتصل العبد بربه خمس مرات في اليوم والليلة، وهي أول ما يُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته»، ومع ذلك، فإن هذه العبادة العظيمة لا تسلم من لصوص يتربصون بها، فيسرقون من ثوابها ويهدرون معناها، حتى إذا فرغ الإنسان من صلاته لم يجد في ميزانه إلا القليل.
علماء الشريعة يحذرون من هؤلاء اللصوص، ويكشفون أن أخطرهم ليسوا أولئك الذين يسرقون الأموال أو المتاع، بل من يسرقون روح الصلاة، فيحولونها من لقاء روحي إلى حركات فارغة بلا خشوع في هذا التحقيق نسلط الضوء على أبرز هؤلاء اللصوص كما حددهم العلماء، ونوضح خطورتهم على المسلم، مستندين إلى نصوص الشريعة وأقوال الفقهاء.
اللص الأول: سرقة النفس بالنقر في الصلاة
الشيخ عبد الهادي سعيد، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد أن أخطر اللصوص هو الإنسان نفسه إذا لم يتم صلاته كما أمر الله ورسوله فقد ورد في الحديث الشريف: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ»، قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا ولا سُجُودَهَا» (رواه أحمد والطبراني).
النقر في الصلاة، أو أداؤها بسرعة دون طمأنينة، يحوِّلها إلى شكل فارغ بلا روح وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، لا تصح بدونها، واستدلوا بحديث المسيء في صلاته، حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدها لأنه لم يطمئن في ركوعه وسجوده.
اللص الثاني: الالتفات في الصلاة
اللص الثاني الذي يختلس من صلاتنا هو الالتفات يمينًا أو يسارًا أثناء الصلاة بلا حاجة فقد سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» (رواه البخاري).
الالتفات يُذهب الخشوع، ويقطع الصلة بين العبد وربه، وكأن المصلي يوزع قلبه بين الله والدنيا ويعلق العلماء: إذا كان الالتفات يسيرًا لحاجة فلا حرج، أما إذا كان بلا داعٍ فإنه يُنقص من أجر الصلاة.
اللص الثالث: الحركات الزائدة
الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أوضح أن كثرة الحركات التي لا صلة لها بالصلاة تُعتبر من لصوصها كذلك فإذا انشغل المصلي بحركات اليد أو العبث بالملابس أو النظر في الهاتف، فقد أبطل صلاته أو أنقص من ثوابها.
الفقهاء اختلفوا في الحد الذي تبطل به الصلاة بسبب الحركات: فمنهم من قال إنها تبطل بثلاث حركات متتابعة، ومنهم من قال إذا صارت الصلاة شبيهة باللعب وفقدت هيبتها والضابط في ذلك أن من ينظر إلى المصلي ينبغي أن يوقن أنه في صلاة، فإن بدا وكأنه في غيرها، فالصلاة باطلة.
اللص الرابع: غياب الخشوع
النبي صلى الله عليه وسلم حذر من أن يكون حظ الإنسان من صلاته مجرد التعب، فقال: «إن العبد ليصلي الصلاة وما كُتب له منها إلا نصفها، ثلثها، ربعها...» حتى قال: «عشرها» (رواه أبو داود والنسائي).
فالخشوع هو روح الصلاة، وبدونه تتحول إلى حركات ميكانيكية لا معنى لها والخشوع يبدأ من استحضار القلب، والتوجه إلى الله بالكلية، وإبعاد الشواغل الدنيوية.
لصوص خفيون: الوساوس والخواطر
من أعظم لصوص الصلاة كذلك وساوس الشيطان التي تهاجم ذهن المصلي، فيُذكِّره بما نسيه من أمور الدنيا، أو يجعله يسرح في تفاصيل عمله وماله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: اذكر كذا، حتى لا يدري الرجل كم صلى» (رواه البخاري ومسلم).
العلاج هنا أن يستعيذ المسلم بالله من الشيطان الرجيم عند دخول الصلاة، وأن يجاهد نفسه بالتركيز على معاني القراءة والذكر.
لصوص العصر الحديث: الهاتف والانشغال بالدنيا
في زمن الهواتف الذكية، ظهر نوع جديد من لصوص الصلاة، وهو الانشغال بالتنبيهات والرسائل حتى داخل المساجد بعض المصلين قد يضع هاتفه بجواره، فينشغل صوته بالرسائل أو المكالمات، فيفسد خشوعه وخشوع من حوله.
علماء الأزهر ودار الإفتاء شددوا على ضرورة إغلاق الهواتف أثناء الصلاة، وعدم السماح للتكنولوجيا بأن تخطف أعظم لحظة بين العبد وربه.
علاقة السرقة بالخشوع
اللصوص جميعًا يشتركون في أمر واحد: سرقة الخشوع وقد جعل الله الخشوع صفة أساسية للمؤمنين في قوله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2].
فالخشوع ليس مجرد سكون الجسد، بل حضور القلب واستحضار عظمة الله وكل التفريط في ذلك هو اقتطاع من صميم الصلاة وسرقة من روحها.
كيف نحمي صلاتنا من اللصوص؟
1. التهيؤ النفسي قبل الدخول في الصلاة: الوضوء بخشوع، والتبكير إلى المسجد، وترك الانشغال بالدنيا.
2. استحضار معاني القراءة: تدبر الفاتحة والآيات المقروءة بدلًا من ترديدها بلا فهم.
3. الطمأنينة في الركوع والسجود: تطبيق حديث المسيء في صلاته، بأداء الأركان ببطء وسكينة.
4. غض البصر في الصلاة: ترك الالتفات والنظر يمينًا ويسارًا، وحصر النظر في موضع السجود.
5. الاستعاذة من الشيطان: عند وساوسه وخواطره، نلجأ إلى الله لنطردها.
إن أخطر ما يهدد صلاتنا ليس قلة الأوقات ولا ضغط الحياة، بل اللصوص الذين يتربصون بها من داخلنا: العجلة، والالتفات، والحركات الزائدة، وغياب الخشوع هؤلاء يسرقون من صلاتنا حتى نخرج منها صفر اليدين.
الصلاة ليست مجرد فرض يؤدى، بل لقاء مع الله، وكل غفلة فيها تعني أننا أهدرنا فرصة عظيمة للتقرب من الخالق لذلك جاء التحذير النبوي صريحًا من سرقة الصلاة، لتبقى هذه العبادة صافية نقية، لا يشوبها لص ولا يسرق منها شيء.