رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

شجرة النبي بالأردن.. شاهد حي يتحدى الصحراء منذ 14 قرنًا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في قلب صحراء قاحلة شمال شرق الأردن، حيث يمتد الفراغ بلا حدود وتختفي مظاهر الحياة، تقف شجرة وحيدة باسقة لا تُشبه شيئًا من حولها هذه الشجرة التي يعرفها الأردنيون باسم شجرة البُقَيَّاوية أو شجرة الصحابي، ارتبطت بواحدة من أقدم الروايات في السيرة النبوية، إذ يُقال إن النبي محمدًا ﷺ جلس تحتها ليستظل بظلها في رحلة إلى الشام، وهناك التقى بالراهب «بحيرا» الذي رأى فيه علامات النبوة.

ليست الشجرة مجرد نبات أخضر يقاوم قسوة الصحراء، بل صارت رمزًا روحيًا وتاريخيًا حيًا، يجذب المؤمنين والباحثين والسياح من مختلف أنحاء العالم. فهي تحمل معاني الصمود أمام الطبيعة القاسية، وتبقى شاهدة على حدث نبوي خالد ارتبط برحلة التكوين الأولى لسيد الخلق ﷺ هذا التحقيق يتتبع القصة من زواياها المختلفة: الدينية والتاريخية والعلمية والشعبية.

القصة كما يرويها العلماء

يروي الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن النبي ﷺ كان في طفولته طاقة حب ورحمة تسري في كل ما حوله، حتى في الطبيعة الجامدة، ويضيف أن قصة الشجرة التي استظل تحتها النبي ﷺ في وادي الأردن، وهو في طريقه إلى الشام برفقة عمه أبي طالب، ليست مجرد واقعة عابرة؛ فهي اللحظة التي التقى فيها النبي بالراهب بحيرا.

ويؤكد جمعة أن هذه الشجرة بقيت إلى يومنا هذا، رغم أن المكان صحراء قاحلة لا نبات فيها ويشير إلى أن علماء الطاقة يصفونها بأنها تحمل إشعاعًا نورانيًا خاصًا، وأن من سر بقائها تلك المحبة المطلقة التي تميز بها رسول الله ﷺ.

لقاء النبي بالراهب بحيرا

تروي كتب السيرة أن النبي ﷺ حين بلغ الثانية عشرة من عمره، خرج مع عمه أبي طالب في قافلة تجارية متجهة إلى الشام وفي إحدى محطات الطريق توقفوا ليستظلوا بظل شجرة قريبة من صومعة الراهب «بحيرا» وعندما رأى الراهب الصبي محمداً، عرف فيه ملامح النبوة من العلامات التي وردت في الكتب السابقة، فحذّر عمه قائلاً: "احذر عليه من اليهود"، ورأى في كتفه خاتم النبوة.

هذا اللقاء، كما يصفه المؤرخون، كان إشارة مبكرة إلى المستقبل العظيم الذي ينتظر هذا الطفل اليتيم، وارتبط في الذاكرة الإسلامية بالشجرة التي ظلت شامخة في مواجهة الزمن.

موقع الشجرة ومعجزة بقائها

تقع الشجرة في منطقة صَفاوي بمحافظة المفرق الأردنية، بالقرب من طريق قديم كان يستخدمه التجار والقوافل بين مكة ودمشق. علميًا، تُصنَّف هذه الشجرة من نوع  (الفستق الأطلسي)، ويُقدَّر عمرها بأكثر من 1400 سنة، أي ما يوازي الفترة التي سبقت الإسلام.

المثير في أمرها أنها وحيدة وسط صحراء قاحلة، لا نبات معها، لكنها بقيت خضراء مورقة إلى اليوم. ويقول الدكتور علي جمعة: "كأن الله شاء أن يُهذبها، فهي تبدو كأن بستانيًا قد صنع فيها جمالًا متقنًا، لكنها في الحقيقة آية من آيات الله".

بين العلم والإيمان

العلماء يفسرون بقاء الشجرة بعوامل طبيعية مثل عمق جذورها التي قد تصل إلى المياه الجوفية، أو تكيفها البيئي مع ظروف الجفاف والحرارة غير أن البعد الروحي يظل حاضرًا بقوة لدى المؤمنين، الذين يرون في بقائها علامة على بركة النبي ﷺ.

هذا التباين بين التفسير العلمي والروحاني لا يلغي أحدهما الآخر، بل يعكس ثراء التجربة الإنسانية أمام المعجزات الطبيعية. فالطبيعة تُدهشنا بقدرتها على البقاء، والإيمان يضيف إليها بُعدًا من المعنى والرمزية.

شهادات دينية وروحية

يقول الدكتور علي جمعة متعجبًا: "شجرة باقية إلى يومنا هذا..! ما الذي جعلها مورقة؟" ثم يجيب: "إن الذي أبقاها هو أن من جلس تحتها واستظل بظلها هو المحبة المطلقة، محمد بن عبد الله ﷺ".

ويؤكد أن النبي ﷺ كان رحمة مطلقة، لا يعرف الكراهية ولا الحقد ولا الحسد ولا الكبر، وأن هذه الصفات النقية انعكست حتى على الطبيعة من حوله، فخلّدت أثرًا ماديًا يظل قائمًا عبر القرون.

الرعاية الرسمية والاهتمام الشعبي

لم تمر الشجرة دون اهتمام من الدولة الأردنية، فقد وضعتها السلطات تحت الرعاية الرسمية، وأقامت حولها أسوارًا لحمايتها من العبث، كما تحولت إلى موقع سياحي وروحي يقصده الزوار من المسلمين وغير المسلمين، ليشهدوا هذا الأثر الفريد الذي يربط بين التاريخ والدين والطبيعة.

الرحالة والزوار الذين يصلون إلى صفاوي يصفون المشهد بأنه مؤثر للغاية: شجرة وحيدة في صحراء بلا حياة، تقف كأنها تروي حكاية من زمن بعيد.

الشجرة في الرواية الشعبية والإعلام الجديد

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت الشجرة إلى مادة مصوّرة يتناقلها المستخدمون في مقاطع وصور تبرز جمالها وسط الصحراء بعض التقارير الإعلامية بالغ في وصفها باعتبارها "المعجزة الخضراء"، فيما حاولت تقارير أخرى تقديمها في إطار علمي وسياحي متوازن.

لكن في كل الأحوال، صارت الشجرة رمزًا يُستخدم لإبراز قيمة المحبة والسلام التي يمثلها النبي ﷺ، ورسالة في مواجهة عالم تكثر فيه الصراعات والكراهية.

الرمزية والمعنى الإنساني

قصة الشجرة لا تتعلق بالمكان وحده، بل بما تمثله من دلالات رمزية:

1. رمز الرحمة: بقاءها رغم قسوة الطبيعة إشارة إلى أن الرحمة أقوى من القسوة.


2. شاهد على التاريخ: الشجرة تحولت إلى وثيقة طبيعية تربطنا باللقاء التاريخي بين النبي ﷺ والراهب بحيرا.


3. رسالة عالمية: كما يستظل الناس اليوم بظلها، يمكن للإنسانية أن تستظل بظل المحبة التي جاء بها الإسلام.

شجرة البُقَيَّاوية في صحراء الأردن ليست مجرد شجرة يابسة أو أثر سياحي؛ إنها معلم روحي يربط الأرض بالسماء، والطبيعة بالرسالة قصتها تعكس كيف يتحول حدث صغير في التاريخ إلى رمز خالد يثير التساؤلات ويستدعي التأمل.

تم نسخ الرابط