الصلاة على النبي.. عبادة عظيمة تفتح أبواب الفرج وتبدّد الهموم

في خضمّ حياة مليئة بالتقلبات، حيث تتزاحم الهموم وتثقل الأعباء كاهل الإنسان، يبحث المؤمن عن وسائل يداوي بها قلبه ويستجلب بها رحمة الله تعالى ومن بين أرقى وأعظم العبادات التي أكرمنا الله بها، تبرز الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليس فقط باعتبارها امتثالًا لأمر رباني، بل باعتبارها أيضًا مصدرًا لسكينة القلوب ومفتاحًا لتفريج الكروب.
وقد تناول الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، هذا الموضوع بإسهاب، مؤكّدًا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي حاجة لنا نحن، لا لرسول الله الذي رفع الله ذكره وأعلى مقامه، فهو غني عن صلاتنا، وإنما نحن الذين نزداد بها قربًا من الله وغفرانًا للذنوب وبركةً في الحياة.
ويبقى السؤال مطروحًا: كم نصلي على النبي في اليوم والليلة؟ وهل حدد الشرع عددًا معينًا لهذا الذكر الشريف؟
الصلاة على النبي.. أمر رباني وامتثال لأوامر السماء
تأتي الإجابة من كتاب الله العزيز قبل أي مصدر آخر، حيث قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
هذه الآية الكريمة لم تكتفِ بذكر فضل الصلاة على النبي، بل أظهرت عظمة هذا المقام حين أخبرنا الله أن الملائكة والملأ الأعلى يصلون عليه، ثم أمر المؤمنين بالانضمام إلى هذا الشرف العظيم إنّه تكليف رباني يفتح للمسلم بابًا من الطاعة والرحمة، ويجعله شريكًا في ذكر النبي بين السماء والأرض.
حديث أبي بن كعب.. الدليل على سعة الباب
أوضح الدكتور علي جمعة أن الشرع لم يفرض حدًا أدنى أو أقصى لعدد الصلوات على النبي في اليوم والليلة، بل ترك الباب مفتوحًا ليتسابق المؤمنون واستشهد بحديث الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه، حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك» [رواه الترمذي].
هذا الحديث يبين أن الصلاة على النبي ليست محدودة، بل هي باب واسع لا يعرف ضيقًا، وأن الإكثار منها سبب مباشر لرفع الهموم وغفران الذنوب.
ثمار الصلاة على النبي.. بين الدنيا والآخرة
لعل أبرز ما يميز هذه العبادة أنها تجمع بين خير الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما ورد في الأحاديث النبوية:
مغفرة الذنوب وتكفير السيئات: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» [رواه مسلم].
رفع الدرجات: يرفع الله المصلي على النبي عشر درجات بكل صلاة.
كفاية الهموم: كما جاء في حديث أبي بن كعب «إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك».
شفاعة الرسول يوم القيامة: وهي من أعظم المكاسب للمؤمن.
استجابة الدعاء: إذ ورد أن الدعاء إذا استفتح بالصلاة على النبي وخُتم بها كان أرجى للقبول.
طرح البركة ودفع الفقر: فهي سبب لزيادة الخير في الرزق والعمر.
حضور اسم المصلي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال: «إن صلاتكم معروضة علي» [رواه أبو داود].
النجاة من صفة البخل: فقد وصف النبي من لم يصل عليه عند ذكره بالبخيل.
الصلاة على النبي بين المحبة والاتباع
ينبغي أن يدرك المسلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد ألفاظ تردّدها الألسنة، بل هي إعلان صريح عن محبته واتباعه فالمحب الصادق للنبي لا يكتفي بالذكر، بل يترجم محبته إلى عمل وسلوك يوافق سنته ويقتدي بهديه.
يقول ابن القيم رحمه الله: “الصلاة على النبي من أفضل القربات، وهي عنوان صادق على محبته وتعظيمه، وهي أيضًا ميزان حرارة الإيمان في القلب”.
أوقات يستحب فيها الإكثار من الصلاة على النبي
لم يترك الشرع أوقات الصلاة على النبي بلا تفصيل، بل ورد الحث على الإكثار منها في مواقف مخصوصة، منها:
عند الدعاء: في أوله وآخره.
في يوم الجمعة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة» [رواه البيهقي].
عند دخول المسجد والخروج منه.
عند سماع اسم النبي صلى الله عليه وسلم.
في مجالس الذكر والعلم.
في أوقات الكرب والشدائد.
السلف الصالح والإكثار من الصلاة على النبي
كان الصحابة والتابعون قدوة في الإكثار من الصلاة على النبي فقد روي أن أُبي بن كعب رضي الله عنه جعل صلاته كلها على النبي كما في الحديث السابق، فبشّره النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك يكفيه همه ويغفر له ذنبه كما كان بعض العلماء يجعلون وردهم اليومي آلاف المرات من الصلاة على النبي، معتبرين أن هذا الذكر يورث القلب صفاءً، ويجلب للروح طمأنينة لا تضاهى.
بين القول والعمل.. كيف نحيي الصلاة على النبي في حياتنا؟
لإحياء هذه العبادة في حياتنا اليومية، يمكن للمسلم أن يتخذ خطوات عملية، منها:
1. تخصيص ورد يومي من الصلاة على النبي بعد الصلوات المكتوبة.
2. الإكثار منها في أوقات الفراغ أو أثناء العمل بلسانٍ رطب.
3. تعليم الأبناء هذه العبادة وربطها بحب النبي.
4. جعلها شعارًا للأسرة في المناسبات واللقاءات.
كن من المكثرين ولا تحدّ نفسك بعدد
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم باب مفتوح بلا قيود، وهي وسيلة للفرج القريب والرحمة الواسعة فلا ينبغي للمسلم أن يحصر نفسه بعدد معين، بل ليجعلها ديدنه في كل حين فإن الصلاة عليه تعكس صدق المحبة وتحقق القرب من الله، وتبقى وعدًا صادقًا من الرسول الكريم: «إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك».