الإسلام والمرأة.. حقوق محفوظة وهوية في مواجهة العولمة

في العقود الأخيرة، تصاعد الجدل حول قضية حقوق المرأة بين المنظور الشرعي الإسلامي من جهة، والرؤى الحقوقية الغربية والدولية من جهة أخرى وفي الوقت الذي تؤكد فيه المؤسسات الإسلامية أن الإسلام هو أول من أعطى المرأة مكانتها وحقوقها الكاملة، تتهم منظمات حقوقية دولية بعض المجتمعات الإسلامية بأنها ما زالت تحرم المرأة من حقوقها الطبيعية، وتربط ذلك بالدين.
لكن المتأمل في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية يجد أن الإسلام قدّم للمرأة منظومة متكاملة من الحقوق، تبدأ بحقوقها الإنسانية وتنتهي بحقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في إطار مقاصد الشريعة التي جاءت لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
في هذا التقرير يفتح موقع "تفصيلة" ملف حقوق المرأة بين النص الشرعي، والضغوط الحقوقية المعاصرة، وكيف يمكن للمسلمين أن يقدموا رؤية وسطية تنسجم مع مقاصد الدين ومتطلبات العصر.
الإسلام منذ بدايته أقر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والتكليف الشرعي قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء} (النساء: 1)، مما يؤكد وحدة الأصل والمكانة.
كما منح القرآن المرأة حقها في الإرث، بعد أن كانت في الجاهلية لا ترث، فقال: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} (النساء: 7).
وفي السنة النبوية، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرًا، فقال في خطبة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا» (رواه مسلم) وبهذا صارت وصيته الأخيرة جزءًا من المنظومة الحقوقية الإسلامية.
تشمل هذه الحقوق
الحق في التعليم: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، والمسلم هنا يشمل الرجل والمرأة.
الحق في اختيار الزوج: إذ لا يجوز إجبار المرأة على الزواج بغير رضاها.
الحق في العمل والكسب: ما دام العمل مباحًا ولا يخل بواجباتها الأسرية، مستشهدين بخديجة رضي الله عنها التي كانت تاجرة.
الحق في الملكية والتصرف المالي: إذ نصت الشريعة على ذمة مالية مستقلة للمرأة.
الضغوط الحقوقية الدولية على المجتمعات الإسلامية
رغم وضوح النصوص الشرعية، إلا أن منظمات دولية وجماعات نسوية تواصل الضغط على المجتمعات الإسلامية لتبني مفاهيم جديدة عن حقوق المرأة، بعضها يتعارض مع الشريعة.
من أبرز هذه الضغوط:
1. المساواة المطلقة: إذ يطالبون بالمساواة في كل شيء بين الرجل والمرأة، بما في ذلك المواريث، متجاهلين قاعدة العدل التي جعلت نصيب الرجل أحيانًا أكبر مقابل مسؤوليته المالية تجاه الأسرة.
2. الحرية الشخصية بلا قيود: مثل رفض الحجاب أو السماح بالعلاقات غير الشرعية باعتبارها "حرية فردية"، في حين أن الإسلام يعتبر الحجاب فريضة والعفة قيمة إنسانية عليا.
3. إعادة تعريف الأسرة: إذ تدفع بعض المؤسسات لإعطاء المرأة حرية مطلقة في تكوين الأسرة بعيدًا عن الضوابط الشرعية، وهو ما يتعارض مع مفهوم الزواج في الإسلام.
وتؤكد المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، أن هذه الضغوط محاولة لفرض نمط ثقافي غربي يتنافى مع هوية المجتمعات الإسلامية، وأن الإسلام قدّم بالفعل منظومة حقوقية عادلة وشاملة، لكنها منضبطة بمقاصد الشريعة.
مقاصد الشريعة في حقوق المرأة
من أبرز ما يميز الإسلام عن غيره في قضية حقوق المرأة أنه لا يتعامل مع المرأة بمعزل عن الأسرة والمجتمع، بل يضع حقوقها ضمن إطار مقاصدي متكامل.
حفظ الدين: باحترام كرامة المرأة وإعطائها حق العبادة والتقرب إلى الله كما الرجل.
حفظ النفس: بحمايتها من العنف والاعتداء، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم».
حفظ العقل: بإقرار حقها في التعليم والتثقيف.
حفظ النسل: بتنظيم مؤسسة الزواج، وتحريم العلاقات غير الشرعية، بما يحفظ الأنساب.
حفظ المال: بإعطائها ذمة مالية مستقلة وحق الإرث والمهر والنفقة.
هذه المقاصد تجعل حقوق المرأة جزءًا من منظومة كبرى تحفظ توازن المجتمع بأسره، وتمنع الإفراط أو التفريط.
الفقه الإسلامي بين الجمود والاجتهاد
يؤكد علماء الشريعة أن النصوص الشرعية ثابتة، لكن التطبيقات قابلة للاجتهاد وفقًا لتغير الزمان والمكان، شريطة ألا تمس جوهر الدين، فالميراث مثلًا لا يجوز تغييره لأنه نص قرآني قطعي، لكن آليات تمكين المرأة في التعليم والعمل والسياسة قابلة للاجتهاد ضمن المقاصد العامة.
وقد دعا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية" إلى تجديد النظر الفقهي في قضايا المرأة، مؤكدًا أن مقاصد الشريعة تفتح بابًا واسعًا للاجتهاد بما يحقق العدل والرحمة.