بين القتال والدعوة.. الجهاد كما شرعه الإسلام وليس كما يصوره الإعلام

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ارتبطت كلمة الجهاد في الأذهان الغربية بل وحتى لدى بعض أبناء الأمة بمفهوم "الإرهاب" والعنف المسلح ضد الأبرياء، متجاهلين أن الجهاد في الإسلام مفهوم واسع وعميق، يتجاوز ساحات القتال ليشمل مجالات التربية والإصلاح والمجاهدة بالنفس والمال واللسان.
ومع تصاعد الأزمات السياسية في العالم الإسلامي، واستغلال بعض الجماعات المتطرفة لمصطلح "الجهاد" لتبرير ممارساتها الدموية، عاد النقاش الفقهي والسياسي حول هذه القضية ليطرح نفسه بقوة: ما هو الجهاد في الإسلام؟ وما أنواعه؟ وما الضوابط الشرعية للجهاد القتالي؟ وكيف نواجه حملات التشويه التي تربط الجهاد بالإرهاب؟
يستعرض موقع تفصيلة في هذا التقرير، كيفية وضع الأمور في نصابها الشرعي والسياسي، مستندًا إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مع الاستعانة بآراء العلماء والباحثين، للكشف عن الفارق الجوهري بين الجهاد كعبادة ومقصد شرعي، وبين الإرهاب كجريمة واعتداء.
الجهاد في اللغة مأخوذ من بذل الجُهد والطاقة، ويعني الاجتهاد والمغالبة أما في الاصطلاح الشرعي فهو: بذل الوسع في نصرة الدين وإعلاء كلمة الله، سواء بالنفس أو المال أو اللسان أو غير ذلك.
وقد ورد لفظ الجهاد في القرآن الكريم في مواضع متعددة بمعانٍ متنوعة، منها قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} (الحج: 78)، وقوله: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا} (الفرقان: 52)، حيث فسّر العلماء "الجهاد الكبير" هنا بأنه الجهاد بالقرآن والحجة والبيان.
أنواع الجهاد في الإسلام
الجهاد ليس مقتصرًا على القتال كما يروّج البعض، بل له أنواع متعددة، بينها:
1. الجهاد بالنفس: أي مجاهدة النفس ضد الهوى والشيطان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في الله» (رواه أحمد).
2. الجهاد بالمال: بالإنفاق في سبيل الله لنصرة الحق وإغاثة المظلومين.
3. الجهاد باللسان والقلم: عبر الدعوة إلى الله والرد على الشبهات بالحجة والبرهان.
4. الجهاد القتالي: وهو الدفاع عن الدين والنفس والعرض والوطن ضد المعتدين، وهو ما يثير أكثر الجدل السياسي في العصر الحديث.
الجهاد القتالي.. ضوابط شرعية صارمة
الجهاد القتالي في الإسلام ليس مفتوحًا بلا قيود، بل تحكمه ضوابط شرعية دقيقة، تؤكد أن الإسلام دين رحمة وعدل:
دفاع لا عدوان: قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} (البقرة: 190). فالقتال مشروع ضد المعتدين فقط، لا ضد المسالمين.
تحريم قتل الأبرياء: ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة» (رواه أبو داود).
حماية دور العبادة: فقد أوصى أبو بكر الصديق جيوشه: "ولا تهدموا صومعة، ولا تقتلوا راهبًا".
حظر الغدر والتمثيل بالجثث: وهي ممارسات تنسبها الجماعات الإرهابية إلى "الجهاد" وهي في حقيقتها مناقضة للشريعة.
الشبهات المثارة حول الجهاد والإرهاب
كثير من وسائل الإعلام الغربية تخلط عمدًا بين الجهاد المشروع والإرهاب المحرم، ويتم تصوير أي حركة مقاومة ضد الاحتلال على أنها "إرهاب"، بينما تعتبر مقاومة الشعوب الأخرى مشروعًا.
الشبهة الأولى: الجهاد دعوة للعنف
يرد العلماء بأن الإسلام لم يشرع القتال إلا لرد العدوان وحماية المستضعفين، كما في قوله تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} (النساء: 75).
الشبهة الثانية: الجهاد ضد غير المسلمين مطلقًا
الحقيقة أن القرآن نهى عن قتال المسالمين: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} (الممتحنة: 8).
الشبهة الثالثة: الجماعات المتطرفة تمثل الإسلام
الواقع أن هذه الجماعات خالفت النصوص الشرعية، وأساءت إلى الدين بتكفير المسلمين واستهداف الأبرياء، في حين أن المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر ودار الإفتاء أكدت أن الإرهاب لا يمت للجهاد بصلة.
البعد السياسي للجهاد في العصر الحديث
تحولت قضية الجهاد إلى ورقة سياسية تستخدمها بعض القوى العالمية لتبرير التدخل في شؤون الدول الإسلامية تحت شعار "مكافحة الإرهاب" كما استغلتها جماعات متطرفة لتجنيد الشباب عبر خطاب ديني مشوه.
ويشير محللون سياسيون إلى أن الاحتلال والظلم الدولي هما من أبرز أسباب عودة خطاب "الجهاد المسلح"، كما في فلسطين وأفغانستان، حيث ارتبط الجهاد بالدفاع عن الأرض والعرض.
ومع ذلك، يظل التحدي قائمًا في إعادة ضبط المفهوم بعيدًا عن الاستخدامات الأيديولوجية والسياسية.
المؤسسات الإسلامية والرد على التشويه
الأزهر الشريف أصدر العديد من البيانات التي تؤكد أن الجهاد في الإسلام أوسع من القتال، وأن الإرهاب لا يمثل الإسلام ودار الإفتاء المصرية خصصت مرصدًا عالميًا لمكافحة فتاوى التطرف، أوضح فيه أن الجماعات الإرهابية تستخدم نصوصًا مبتورة لتبرير جرائمها.
كما دعا علماء كبار إلى تجديد الخطاب الديني حول الجهاد بما يوضح للعالم أن الإسلام دين سلام، وأن الجهاد الحقيقي هو في مقاومة الجهل والفقر والفساد بقدر ما هو في مقاومة الاحتلال.
نحو استعادة المعنى الأصيل للجهاد
الجهاد في الإسلام عبادة عظيمة لها معانٍ متعددة، تبدأ من جهاد النفس وتنتهي بالجهاد القتالي بضوابط شرعية دقيقة أما الإرهاب فهو عدوان محرم لا يمت إلى الجهاد بصلة.
وتتطلب مواجهة حملات التشويه تجديد الخطاب الديني وتوضيح أن الإسلام دين سلام، وأن الجهاد إنما شُرع لحماية المستضعفين ورد العدوان، لا لقتل الأبرياء أو تحقيق مكاسب سياسية ضيقة.