رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

هل يجوز للمرأة مصافحة زميلها في العمل؟.. الإفتاء تحسم الجدل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في ظل التوسع الكبير لمشاركة المرأة المسلمة في مجالات العمل المختلفة، يثور جدل قديم متجدد حول مشروعية مصافحة المرأة للرجل الأجنبي، خاصة في بيئات العمل المختلطة التي تفرضها ظروف العصر فبينما يرى فريق من العلماء أن المصافحة ممنوعة شرعًا استنادًا إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية صريحة، يذهب آخرون إلى القول بجوازها عند الحاجة، بشرط غياب الريبة والفتنة، مؤكدين أن الإسلام دين واقعية وتيسير.

ومع اتساع نطاق النقاش بين الفقهاء، يبقى السؤال الأبرز: كيف توازن المرأة المسلمة بين التزامها بالثوابت الشرعية ومتطلبات بيئة العمل الحديثة التي قد تفرض عليها مواقف يومية تتعلق بالمصافحة؟ هذا التحقيق يستعرض الأدلة الشرعية وآراء العلماء، ويحلل أبعاد القضية من منظور اجتماعي وعملي.

النصوص الشرعية

النصوص التي يستند إليها المانعون كثيرة، أبرزها ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» (رواه الطبراني) ويستدلون أيضًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء لم يصافحهن، بل اكتفى بالكلام، كما جاء في حديث أميمة بنت رقيقة: "ما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المصافحة، وإنما بايعنا على الكلام".

في المقابل، يستشهد المجيزون بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، معتبرين أن المصافحة قد تكون عرفًا اجتماعيًا في بيئات العمل، ورفضها قد يسبب حرجًا بالغًا أو إهانة للطرف الآخر كما يستدل بعضهم بأن الأصل في العادات الإباحة ما لم يرد نص صريح بالتحريم القاطع.

الرأي الفقهي المانع: سد الذرائع وحماية القلوب

يرى فريق من كبار العلماء، مثل الشيخ ابن باز والشيخ الألباني، أن المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبيين محرمة مطلقًا، حتى وإن لم يصحبها شهوة، استنادًا إلى النصوص السابقة ويؤكدون أن سد الذرائع أصل فقهي مهم، إذ إن فتح باب المصافحة قد يؤدي إلى التساهل ثم إلى ما لا يُحمد عقباه.

ويضيفون أن احترام المرأة وحفظ مكانتها لا يكون بمصافحتها، بل بالالتزام بما أمر الله به من أدب وغض للبصر، مشيرين إلى أن المسلم يستطيع الاعتذار بلطف ولباقة دون حرج.

الرأي الفقهي المجيز: الضرورة والعرف الاجتماعي

على الجانب الآخر، ذهب بعض العلماء المعاصرين، ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي، إلى القول بجواز المصافحة عند الضرورة أو الحاجة، خاصة في بيئة العمل، بشرط ألا تكون بشهوة وألا تطول. 

ويرى هؤلاء أن الإسلام دين واقعية، وقد وضع قاعدة عظيمة هي: "رفع الحرج عن الأمة"، كما في قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج: 78).

كما يلفتون إلى أن المصافحة قد تكون مجرد عادة اجتماعية خالية من أي قصد سيئ، وأن الامتناع عنها أحيانًا قد يسبب نفورًا أو إساءة فهم للمرأة المسلمة في محيط عملها، مما قد يعرقل تواصلها أو يسيء لصورة الإسلام.

البعد الاجتماعي.. العمل في بيئة مختلطة

مع دخول المرأة بقوة إلى ميادين التعليم والطب والإدارة والهيئات الدولية، باتت المصافحة أمرًا شبه يومي في اللقاءات المهنية بعض النساء يجدن صعوبة في الرفض المباشر خشية من تفسيرات خاطئة، بينما تفضل أخريات الاعتذار بلطف وابتسامة مهذبة.


أراء المؤسسات الدينية

دار الإفتاء المصرية أكدت في أكثر من فتوى أن الأصل ترك المصافحة التزامًا بظاهر الأحاديث، لكنها أشارت إلى أن التحريم ليس قطعيًا عند بعض العلماء، وأن الحاجة والضرورة قد ترفع الحرج. 

كما دعا الأزهر الشريف النساء العاملات إلى التحلي باللباقة والاعتذار اللطيف إذا أرادت المرأة الالتزام بالمنع الشرعي، مؤكدة أن ذلك لا يسيء إلى علاقتها بزملائها.

فقه الموازنة بين الشرع والواقع

قضية مصافحة المرأة للرجل في العمل لا يمكن حسمها بعبارات قاطعة بمعزل عن السياق فمن حيث النصوص، هناك أحاديث قوية تسند رأي المانعين، لكن من حيث الواقع الاجتماعي، هناك مواقف قد تجعل الامتناع عن المصافحة صعبًا ويؤدي إلى حرج كبير.

يبقى الحل في فقه الموازنات؛ أن تلتزم المرأة قدر الإمكان بترك المصافحة اتباعًا للأحوط، وأن تستخدم وسائل بديلة للتحية بلباقة، لكن إن اضطرت إليها بحكم العرف أو الضرورة، فلا إثم عليها ما دامت ملتزمة بضوابط الشرع، فالإسلام في جوهره دين رحمة وتيسير، يحفظ للمرأة كرامتها ويمنحها المرونة للتعايش مع متطلبات الحياة العملية.

تم نسخ الرابط