الأسرة المسلمة ..حصن الأمة فى زمن الفوضى الأخلاقية

لم تعد قضية الأسرة مجرد شأن خاص داخل جدران البيوت، بل أصبحت اليوم قضية هوية ووجود في عالم يرفع شعار "الحرية الفردية" ويُروّج لفكرة أن الزواج قيد يحدّ من طموح الإنسان، تجد الأسرة المسلمة نفسها في مواجهة موجات تغريبية وإعلامية تهدد كيانها.
لكن، هل يمكن للأسرة أن تصمد وسط هذا الطوفان؟ وكيف يمكن أن نحمي حصن الأمة الأول من الذوبان في خطاب يتزيّن بالحرية بينما يحمل في طياته بذور التفكك؟
الأسرة في الإسلام: ميثاق غليظ
القرآن الكريم لم ينظر إلى الزواج باعتباره مجرد علاقة اجتماعية، بل وصفه بالآية العظمى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
فالأسرة في الإسلام رسالة حضارية وروحية، هدفها بناء إنسان متوازن، وغرس قيم الرحمة والتكافل، لا مجرد إشباع رغبات .
تمجيد الفردية: تُقدَّم الحرية المطلقة كقيمة عليا، حتى لو كانت على حساب هدم البيت وفك الروابط الأسرية.
شيطنة القوامة: تُصوَّر قوامة الرجل باعتبارها استبدادًا، في حين أن النص القرآني جعلها تكليفًا بالمسؤولية والرعاية.
إعلام موجه: المسلسلات والأفلام تعكس صورة مشوهة، تروّج للعلاقات العابرة والعزلة الفردية كبدائل عن الزواج والأسرة.
هذه الرياح العاتية انعكست بوضوح في ارتفاع نسب الطلاق، وتراجع الإقبال على الزواج، وانتشار مفاهيم الاستقلالية على حساب المسؤولية.
الإسلام.. شراكة وتكامل لا صراع
في قلب الخطاب الشرعي نجد توازنًا فريدًا:
الرجل: قوامته مسؤولية وإنفاق ورعاية، لا تسلطًا ولا تفوقًا.
المرأة: شريكة كاملة، مسؤولة عن بيتها ورعيتها، كما قال ﷺ: "المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
بهذا المعنى، الأسرة الإسلامية ليست ساحة صراع بين الرجل والمرأة، بل مؤسسة تقوم على تكامل الأدوار في إطار الرحمة والمودة.
كيف نصون الأسرة من الذوبان؟
1. بناء وعي أسري جديد: إدماج قيم القرآن والسنة في التعليم والإعلام.
2. تأهيل المقبلين على الزواج: فقه الحياة الزوجية ومعرفة الحقوق والواجبات ضرورة، لا ترفًا.
3. تفعيل المؤسسات الدينية والمجتمعية: لتصحيح المفاهيم المغلوطة والرد على حملات التشويه.
4. الحوار بدل الصدام: مواجهة الخطاب التغريبي بالحجة والعلم لا بالعنف أو الانغلاق.
الأسرة.. حصن الأمة الأخير
يرى العلماء أن انهيار الأسرة هو انهيار المجتمع قال ابن القيم: "إن الله سبحانه جعل صلاح الأمة بصلاح الأسرة، فإن فسدت الأسرة، فسد المجتمع".
ولهذا، فإن الحفاظ على الأسرة ليس فقط خيارًا اجتماعيًا، بل هو واجب شرعي وحضاري لحماية هوية الأمة.
الحرية قيمة أصيلة في الإسلام، لكنها لا تُختزل في الانفلات من كل قيد الحرية الحقيقية هي التوازن بين الحقوق والواجبات، بين الفرد والمجتمع، بين الرجل والمرأة.
ولذلك، فإن صون الأسرة المسلمة اليوم يتطلب وعيًا جديدًا يُحصّنها من رياح التغريب، ويعيد لها مكانتها كحصن الأمة الأخير.