رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

بين الشرع والتقنية.. هل التبرع الإلكتروني جائز وموثوق؟

تعبيرية
تعبيرية

مع تسارع التحولات التكنولوجية، أصبحت الهواتف الذكية وشبكات الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ولم يعد العمل الخيري بمنأى عن هذه الطفرة الرقمية. 

اليوم، بضغطة زر واحدة، يمكن لأي شخص إرسال صدقة أو زكاة إلى جمعية خيرية أو مستشفى أو أسرة محتاجة في أي مكان بالعالم، ما أطلق عليه خبراء العمل الاجتماعي “التبرعات الإلكترونية”.

الفقه الإسلامي والتقنيات الحديثة.. هل من تعارض؟

وضعت الشريعة الإسلامية ضوابط دقيقة للتصرف في الأموال، سواء كانت زكاة أو صدقات أو أوقافًا. ومع الثورة الرقمية، برز السؤال: هل يمكن للتحويلات الإلكترونية أن تحمل الحكم نفسه الذي تحمله التبرعات النقدية المباشرة؟

وأكد الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية أن التبرعات عبر التطبيقات والمحافظ الإلكترونية جائزة شرعًا إذا وصلت بالفعل إلى مستحقيها عبر قنوات آمنة وموثوقة، موضحين أن الوسيلة مجرد أداة جديدة لتفعيل مقاصد قديمة، في مقدمتها التكافل الاجتماعي وإغاثة المحتاجين.

الأثر الاقتصادي

لم تعد التبرعات مقتصرة على إعانات فردية، بل تحولت إلى منظومة اقتصادية متكاملة. فقد تضاعف حجم التبرعات الرقمية في العالم الإسلامي خلال العقد الأخير، خصوصًا بعد دخول المؤسسات الكبرى في مجال الدفع الإلكتروني.

في مصر، أطلقت الجمعيات الأهلية والهيئات الدينية حسابات رسمية عبر البنوك والمحافظ الإلكترونية، مما سهّل عملية الدفع حتى للفئات محدودة الدخل، وساهم في توسيع قاعدة المتبرعين وتحويل التبرعات إلى رافد اقتصادي لدعم مشروعات تنموية مثل المستشفيات والمدارس وبرامج محو الأمية، بجانب مساعدة الأسر الفقيرة بشكل مباشر.

العلماء بين الحذر والثقة المشروطة

رغم اتفاق العلماء على جواز التبرعات الإلكترونية، شددوا على عدة ضوابط أساسية:

1. الشفافية: التأكد من أن الجهة المتلقية مرخصة ومعروفة لتجنب الاحتيال.

2. النية: يبقى الإخلاص أساس قبول العمل، سواء نقدًا أو إلكترونيًا.

3. التوثيق: الاحتفاظ بسجلات التحويلات الإلكترونية كإثبات مالي وشرعي.

وأكدت دار الإفتاء المصرية أن الوسائل الحديثة لا تغير حكم التبرع، شرط تحقق وصول المال إلى مستحقيه دون تلاعب أو خداع.

التحديات والمخاطر

رغم الإيجابيات، تواجه التبرعات الإلكترونية تحديات عدة:

الاحتيال الإلكتروني: منصات وهمية تستغل عاطفة الناس لجمع الأموال بطرق غير شرعية.

غياب الرقابة: في بعض الدول، عدم وجود قوانين صارمة لتنظيم التبرعات الرقمية.

الفجوة الرقمية: كثير من الفقراء خارج المنظومة بسبب الأمية الرقمية أو ضعف الوصول إلى الإنترنت، ما يثير تساؤلات حول العدالة في توزيع العطاء.


البعد الروحي

يرى علماء النفس والاجتماع أن التبرع الإلكتروني لا يقل أثرًا على وجدان المسلم عن التبرع التقليدي، بل يزيد الشعور بالمسؤولية لتسهيل التكرار والمتابعة. 

إلا أن بعض الوعاظ يحذرون من فقدان البعد الإنساني المباشر الذي كان يرسخه اللقاء بين المتبرع والمحتاج، مما يجعل التوازن بين التكنولوجيا وروح التكافل الاجتماعي أمرًا ضروريًا.

أصبحت التبرعات الإلكترونية حلقة جديدة في سلسلة العطاء الإسلامي الممتدة عبر العصور. فهي ليست مجرد مسألة تقنية، بل نقطة التقاء بين الفقه الإسلامي والاقتصاد الرقمي والهمّ الإنساني. 

الشرع أقر مشروعيتها، الاقتصاد عزز أثرها، والتجارب الإنسانية منحتها بعدًا روحيًا متجددًا، لكن يبقى التحدي الأكبر هو تعزيز الثقة وضمان الشفافية، ليظل العطاء سواء عبر صندوق المسجد أو الهاتف المحمول تجسيدًا لروح الإسلام في التكافل والإحسان.

تم نسخ الرابط