رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

ريلز التواصل الاجتماعي.. من لذَّة التسلية إلى مستنقع الفتن والانهيار الأخلاقي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في زمنٍ باتت فيه الشاشة الصغيرة أقوى أدوات التأثير على العقول والنفوس، لم تعد مقاطع "الريلز" على منصات التواصل الاجتماعي مجرّد لحظات تسلية خاطفة، بل تحوّلت إلى وسيلة قوية لصياغة مفاهيم وسلوكيات، قد تتعارض كليًّا مع القيم الدينية والضوابط الأخلاقية.

فما بين دقائق معدودة من التمرير اللانهائي، تتسلل رسائل خفية وأخرى، تستهدف العقل والوجدان، وتُعيد تشكيل الذوق العام، بل وتغيّر حتى نظرة الإنسان لنفسه ولمجتمعه.

الترفيه في الإسلام.. بين المباح والضوابط الشرعية

يؤكد الإسلام على إنسانية الإنسان، ويُقر حاجته للراحة والترويح، بل يُعَد ذلك من سنن الفطرة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لبدنك عليك حقاً»، في إشارة واضحة إلى ضرورة التوازن بين العبادة والعمل والراحة.
لكن هذا الترفيه تُحَدَّه ضوابط صارمة:

ألا يُلهي عن أداء الفرائض: كأن يضيع الإنسان صلاته أو أذكار يومه بسبب ساعات أمام المقاطع الترفيهية.

ألا يُثير الغرائز أو يفتح أبواب الشهوات: مثلما تفعل كثير من "الريلز" التي تروّج للرقص الفاحش، أو مشاهد خادشة للحياء، تحت ستار "الترفيه".

ألا يُشيع الفاحشة والفُحش


في هذا السياق، يصبح الترفيه الذي يُخالف هذه الضوابط أشبه بفتنة، لا بتسلية، تُورِث غفلة القلب وانجراف العقل، وتُغلق باب الخشية من الله.

لا شك أن مقاطع الريلز وُلدت كأداة "تسويقية" هدفها جذب انتباه المتابع خلال وقت قصير، لكنها ما لبثت أن تحوّلت إلى "إدمان رقمي" من نوع جديد.
تُنتج المنصات، خوارزميًا، محتوى يُرضي ميول المستخدم ويُعيد له ما يشبهه، في دورة تكرارية تُغلق عليه دائرة فكرية وسلوكية.

النتيجة؟ تعوّد العين على مشاهد العري، وتطبيع القلب مع ألفاظ الفحش، واستهانة بالعُري والاختلاط والتفاهة.

الأخطر؟ أن المراهقين والمراهقات، وحتى الأطفال، أصبحوا يتعرّفون على العالم من بوابة الريلز، مما يؤسس فيهم وعيًا مُشوَّهًا، ويجعلهم عُرضة لانهيار القيم قبل بلوغ النضج العقلي أو الديني.

ثالثًا: صناعة الإلهاء.. حين يصبح التافه هو المعيار

بعض مقاطع الريلز قد تبدو بريئة في ظاهرها، لكنها تحمل رسائل خفية وخطيرة:

تطبيع مع الفجور والتمرد: إعلاء قيمة "الشهرة" و"الجرأة" ولو على حساب الدين والعقل.

هدم هيبة العلماء والأهل: عبر محتوى ساخر يُشوّه رموز الدين أو يسخر من قيم الأسرة.

إغراق النفس بالمقارنة والسخط: حيث يرى الشاب أو الفتاة صوراً لحياة مثالية زائفة، مليئة بالمال والجمال والحب، مما يولّد الحسد والغيرة والتسخّط على قدر الله.


ومن ثَمّ، لا يعود المستخدم يستمتع بمقاطع الفيديو بقدر ما يستسلم لدوامة من المقارنات النفسية والإحباط الداخلي، مما يُضعف العبادة، ويُفسد القلب.


رابعًا: مسؤولية الفرد والمجتمع.. بين الغفلة والوعي

يقف المستخدم العادي أمام محتوى الريلز موقف المتلقّي، لكنه في الحقيقة مشارك في نشر هذا المحتوى إذا لم يُحسن الفرز والتمييز، ويكفّ يده ولسانه عن دعمه أو ترويجه.

1. تربية الوعي لدى الأبناء على التمييز بين الترفيه النظيف والفاحش، وتعليمهم أن ليس كل ما هو شائعٌ محمود.


2. تفعيل الرقابة الذاتية والرقمية، ومتابعة الحسابات التي يتابعها الأبناء، وغرس معاني الحياء والخوف من الله.


3. الانخراط في إنتاج بدائل هادفة على نفس المنصات، تُقدّم محتوى راقٍ ومفيد، لتكون مواقع التواصل ساحة للبناء لا للهدم.


4. التحذير من قنوات الشر والفتن، واستذكار قول النبي ﷺ: «الحياء من الإيمان».

خامسًا: الإعلام والدعاة

بات من الضروري أن يتعامل الدعاة والمثقفون مع هذه المقاطع كواقع يحتاج إلى اقتحام لا إلى هروب.
من الخطأ أن نكتفي ببيانات التحذير، بينما تغيب عنا الريادة في صناعة محتوى جذّاب، يحمل رسالة، ويُنافس بنفس الأدوات التي يستخدمها أهل الفتنة.

فإن كانت "الريلز" قد فُتحت ساحة حرب على القيم، فلا بد من دخول المعركة بسلاح الفكرة والكلمة والمحتوى الإسلامي الذكي.

إن مقاطع الريلز ليست مجرّد صور متحرّكة، بل هي فتنة معاصرة تختبر القلوب والعقول في زمن التمرير اللانهائي.
وليس من الحكمة الهروب منها، ولا الاستخفاف بخطرها، بل الحكمة كل الحكمة في مواجهة هذا الخطر بتقوى، وبوعي، وبمسؤولية جماعية تُعيد التوازن بين حق الجسد في الترفيه، وحق القلب في السلامة والصفاء.

 

 

تم نسخ الرابط