رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الأزهر يؤسّس أول مركز فقهي للفضاء: اجتهاد شرعي في مدارات الكون

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في خطوة علمية غير مسبوقة، وبروحٍ تعكس عمق الاجتهاد الأزهري وقدرته على التفاعل مع تطورات العصر، أعلن الدكتور أحمد عبد البر، مدير مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء، أن تدشين المركز يُعد "إنجازًا رياديًا" يجسد رؤية الأزهر الشريف في ربط العلوم الشرعية بأحدث ما توصلت إليه علوم الفلك والفضاء.

جاء ذلك خلال كلمته في الملتقى العلمي حول "النوازل الفقهية المستجدة لأحكام الفضاء"، والذي نظمه مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية، في إطار الشراكة بين المؤسسة الدينية والعلمية لمواكبة التحديات المستقبلية.

ووصف عبد البر المركز بأنه "منارة للفكر الاجتهادي" تسعى إلى إدماج العلوم الشرعية في قلب بيئة علمية فضائية معقدة، مشيرًا إلى أن المركز يُعنى بتقديم رؤى فقهية مبتكرة تستجيب للأسئلة الجديدة التي تفرضها الأنشطة الفضائية، منطلقًا من التراث الفقهي العريق، ومدعومًا ببيانات علمية دقيقة.

وأضاف أن تأسيس المركز يمثل تتويجًا لمسار علمي بدأه مفتي الديار المصرية الأسبق فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، خلال فترة توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ويُستكمل حاليًا بدعم الأمين العام الحالي الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، تحت إشراف مباشر من وكيل الأزهر الشريف فضيلة الدكتور محمد الضويني.


من القِبلة إلى الطهارة.. كيف يصلي المسلم في الفضاء؟

سلط مدير المركز الضوء على جملة من التحديات الفقهية المرتبطة بالحياة خارج كوكب الأرض، والتي بات من الضروري تقديم اجتهادات بشأنها في ظل التوسع المستقبلي في رحلات الفضاء، لا سيما بعد انخراط رواد فضاء مسلمين في هذه الرحلات.

وأوضح أن المركز سيبحث مسائل فقهية غاية في التعقيد، مثل:

كيفية أداء الصلاة في بيئة تدور فيها المحطة الفضائية حول الأرض كل 90 دقيقة تقريبًا، ما ينتج عنه 16 شروقًا وغروبًا يوميًا.

تحديد القبلة في الفضاء أو على كواكب أخرى مثل المريخ.

إشكاليات الصيام في مدارات تختلف فيها أطوال الأيام.

الطهارة والوضوء في بيئة منعدمة الجاذبية.

التعامل مع حالات الوفاة في الفضاء، وأحكام التكفين والدفن خارج الأرض.

السياحة الفضائية، والتأمين على الرحلات الفضائية، وامتلاك الأجرام السماوية.

الحاجة إلى المركز.. تزايد رواد الفضاء المسلمين والتوسع الفضائي

وأوضح عبد البر أن الحاجة الملحة لإنشاء المركز تأتي نتيجة للتزايد المطرد في أعداد رواد الفضاء المسلمين، فضلًا عن المشاريع الطموحة التي تسعى لاستيطان الفضاء أو تنظيم سياحة خارج الأرض، وهو ما يفرض واقعًا جديدًا يجب أن يتعامل معه الفقه الإسلامي بأدوات علمية واستبصار مستقبلي.

وأضاف: "كيف سيصلي المسلم في المدار؟ ما حدود اليوم الفضائي؟ هل يمكن تحديد القبلة على سطح القمر؟ هذه ليست أسئلة افتراضية، بل واقع بدأنا نعيشه ويحتاج إلى تأصيل شرعي مبني على أدلة وبراهين علمية".

شراكات علمية.. الأزهر ووكالة الفضاء المصرية على خط واحد

وفي سياق متصل، كشف عبد البر عن أن المركز يعمل في تناغم تام مع وكالة الفضاء المصرية، حيث توفر الأخيرة بيانات علمية دقيقة وصورًا محاكاة للحياة في الفضاء، تُستخدم في إعداد أدلة إرشادية توضح كيفية ممارسة العبادات وتنظيم الحياة اليومية في البيئات غير الأرضية.

وأكد أن المركز يعكف حاليًا على إعداد دليل إرشادي عملي مدعوم بصور ونماذج ثلاثية الأبعاد، لتبسيط الفهم لدى الفقهاء والمجتهدين حول واقع الحياة في الفضاء، وتقديم حلول فقهية للمعضلات المستجدة، بما في ذلك:

ضوابط التصوير والتجسس الفضائي.

أحكام التأمين والتعاملات التجارية الفضائية.

قضايا امتلاك الأقمار والمدارات الصناعية.

الجوانب الشرعية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية خارج الأرض.

تراث علمي أصيل.. من الدمنهوري إلى الأزهر الحديث

لم يغفل عبد البر الجانب التاريخي في كلمته، حيث أكد أن المركز يستلهم مناهجه من تراث علماء الأزهر العظام، وعلى رأسهم الإمام الدمنهوري والشيخ حسن العطار، الذين أسسوا لفكر أزهري منفتح على العلوم الطبيعية، واعتبر أن المركز يُمثل امتدادًا لهذا الفكر الوسطي المستنير.

وأشار إلى أن الأزهر عبر تاريخه كان دائمًا صِمَام أمان للعقل الإسلامي، ومصدرًا للاجتهادات المتجددة التي تراعي تطور الحياة والواقع، مؤكدًا أن الدور الذي يلعبه المركز الآن هو "حلقة وصل بين الماضي التليد والمستقبل المشرق للعلوم الإنسانية في عصر الفضاء".

الملتقى العلمي.. حوار شرعي علمي حول النوازل الفقهية الفضائية

ويأتي هذا الإعلان ضمن فعاليات الملتقى العلمي الذي ينظمه مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية، تحت عنوان "النوازل الفقهية المستجدة لأحكام الفضاء"، وهو الملتقى الذي يهدف إلى تطوير الفهم الفقهي تجاه المسائل العلمية المتطورة، والتأكيد على أن الإسلام يمتلك من المرونة والرحابة ما يمكنه من استيعاب أي تطور بشري.

ويطرح الملتقى سلسلة من الأوراق البحثية والنقاشات العلمية التي تجمع بين العلماء الشرعيين والمتخصصين في علوم الفضاء، في خطوة تعكس حرص الأزهر على الجمع بين "النص الشرعي" و"المعرفة العلمية الحديثة"، لتقديم اجتهادات فقهية تتسق مع مستجدات الواقع.
شدد عبد البر على أن المركز لا يعمل في معزل عن المؤسسات العلمية والدينية، بل يسعى لبناء منظومة اجتهادية مؤسسية تتسم بالرصانة والمرونة، وتسهم في بناء رؤية فقهية متكاملة لعصر ما بعد الأرض، عبر إعادة قراءة النصوص في ضوء المعطيات العلمية، دون المساس بالثوابت أو الهوية الإسلامية.

وأكد أن مركز الأزهر العالمي للفلك يمثل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الفقه الإسلامي الذي يتحرك في مدارات جديدة، ويثبت مجددًا أن الإسلام دينٌ للحياة، قادرٌ على استيعاب العلم، واحتضان المستقبل بكل أبعاده، الأرضية منها والفضائية.

 

تم نسخ الرابط