رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

"جيل الريلز".. خطر خفي يُعيد تشكيل وعي الأطفال والمراهقين

أرشيفية
أرشيفية

في زمن طغت فيه الشاشات وتفوقت فيه التحديات الرقمية على وصايا الوالدين، تبرز ظاهرة "الريلز" كواحدة من أخطر المؤثرات التربوية على جيل الأطفال والمراهقين هذه المقاطع القصيرة، التي تبدو بريئة ومسلية، تُمارس تأثيرًا بالغ العمق في تشكيل الفكر، والسلوك، والقيم، بل وحتى العقيدة فكيف ينظر الإسلام إلى هذه الظاهرة؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا السيل الجارف من المحتوى العابر؟ وهل من سبيل لإنقاذ الجيل الرقمي ؟

لم يعد الطفل بحاجة لكتب مصورة أو دمى ناطقة كل ما عليه هو أن يُمسك الهاتف، ويمرر إصبعه على الشاشة ليبدأ سيل لا ينتهي من المقاطع السريعة، التي تتنوع بين مشاهد عنف، وعُري، وتنمّر، ورقص، وسلوكيات مشينة تقدم في قوالب كوميدية جذابة.

نتائج كارثية على المدى القريب والبعيد:

ضعف في التركيز والانتباه.

سلوك عدواني أو انسحابي.

ضعف في المهارات اللغوية والاجتماعية.

عزوف عن اللعب الحركي والتفاعل الواقعي.

هذه المظاهر ليست مجرّد استنتاجات نظرية، بل تؤكدها دراسات حديثة تشير إلى أن الأطفال الذين يشاهدون محتوى الفيديو القصير لساعات طويلة يوميًا يعانون من تراجع ملحوظ في النمو المعرفي، وفقدان البراءة، وتشوّه في الإدراك الحسي والواقعي.

ثانيًا: المراهقون.. ضحايا التقليد

في عمر تتشكل فيه الهوية، يصبح المراهق فريسة سهلة لمحتوى "الريلز" فما يُقدَّم له ليس مجرد ترفيه، بل نماذج حياة بديلة تبدو مثالية ومغرية:

المشاهير = قدوة.

الانحراف = شجاعة.

التصوير الجريء = حرية.

الاستعراض = معيار النجاح.


تحولات خطيرة في المفاهيم:

تتحول الفتاة إلى نسخة من مؤثرات الجمال الزائف.

ويظن الفتى أن الجرأة على القيم هي طريق النجومية.

الحب يصبح عرضًا مصورًا، لا علاقة له بالعاطفة الحقيقية.

والنجاح يُقاس بعدد الإعجابات لا بالإنجاز

بهذا المنطق المشوَّه، يتم تشكيل وعي المراهق ليعبد الشهرة، لا ليبني ذاته، ويقلد لا يُبدع، وينساق لا يفكر.
الأسرة الغائبة.. الهاتف هو المربي الأول والأخير

في زحام الحياة اليومية، وتحت ضغط العمل والهموم، يغيب الآباء والأمهات عن ساحة التربية الرقمية ويصبح الهاتف هو المربّي البديل، بل الوحيد، الذي يُسلَّم للطفل من أجل "السكوت"، أو "التسلية"، أو "الانشغال".

مظاهر الغياب الأسري:

لا رقابة على المحتوى.

لا حوارات حول ما يشاهده الأبناء.

جهل تام بمن يتابعهم الأبناء، وبماذا يتأثرون.

تقليد الوالدين أنفسهم لسلوك الإدمان على التطبيقات.

النتيجة؟ يُترك الطفل أو المراهق ليتعلم من الغرباء، ويصنع قناعاته على يد مؤثرين لا يعرفهم، ويتلقى قيَمه من مقاطع لا تُفلتر، ولا تُفهم في سياقها.

المؤثرون الجدد.. القدوة التي تضلّ

يُقدَّم صناع المحتوى الرقمي  بمن فيهم صغار السن  كقادة للرأي وقدوات للجمهور غير أن الغالبية منهم يفتقرون للتوازن الأخلاقي والديني، ويقدمون أنفسهم كنماذج بديلة للأب، والمعلم، والشيخ، بل والمجتمع كله.

نتائج التقليد الأعمى:

تكرار أساليب الكلام والحركة والملبس.

المشاركة في تحديات خطرة أو منحطة.

القبول التدريجي للسلوكيات المنحرفة.

تشويه مفاهيم الدين، والرجولة، والأنوثة.

ومع مرور الوقت، لا يُقلد الشاب أو الفتاة الشكل فقط، بل يتبنون نمط الحياة بكامله، وهو نمط بعيد عن القيم الإسلامية، بل متصادم معها في كثير من الأحيان.


رأي الشريعة.. تحذير واضح وتكليف شرعي

المؤسسات الإسلامية الكبرى، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، لم تتأخر في التعبير عن قلقها فقد أصدرت عدة بيانات وفتاوى حول مخاطر هذه الظاهرة، ومنها:

تحريم مشاهدة المقاطع التي تتضمن منكرًا، أو إثارة جنسية، أو تهكمًا على الدين.

اعتبار الإعجاب أو المشاركة بمثل هذه المقاطع نوعًا من التعاون على الإثم.

التأكيد على واجب غض البصر، والبعد عن مواطن الفتنة.

دعوة لتجديد الخطاب الدعوي:

وشدّد العلماء على أن الاكتفاء بالخطب المنبرية لم يعد كافيًا، فالمعركة الحقيقية الآن تُخاض على الشاشات الصغيرة، ومن يخاطب الناس بلغة الريلز هو من يحكم وجدانهم لذلك، لا بد من تطوير خطاب عصري، شبابي، يصل إلى الجيل بلغته، دون أن يُفرط في الثوابت.

البدائل المضيئة.. محتوى هادف ينافس التفاهة

لا يكفي أن نقول: "احذر الريلز"، بل يجب أن نطرح بدائل. فالأطفال والمراهقون يبحثون عن محتوى، والفراغ هو الذي يدفعهم

خطوات نحو التغيير:

1. تأسيس منصات شبابية لإنتاج محتوى دعوي وتربوي وجذاب.

2. إطلاق حملات مثل "ريلز هادف" أو "نقّي محتواك".

3. تحفيز الطلاب المبدعين ليكونوا مؤثرين بقيم إسلامية.

4. إشراك المساجد والمراكز الثقافية في التوعية الرقمية.

البديل ليس بعيدًا، لكنه يحتاج إلى تمويل، ورؤية، واحتضان إعلامي، حتى يكون للمحتوى الجيد فرصة للانتشار والمنافسة.

ما يُعرض على الريلز ليس مجرد محتوى عابر، بل عملية ممنهجة لإعادة تشكيل الضمير  لجيل بأكمله وإذا لم تتكاتف الجهود بين الأسرة، والدعاة، والمدرسة، ووسائل الإعلام، فإن الخطر لن يتوقف عند انحدار القيم، بل سيمتد ليُهدد الهوية والانتماء والدين.

جيل المستقبل في خطر:

يتحدث بلغة لا نفهمها.

ويتبنّى قِيَمًا لا تُشبهنا.

ويؤمن بشهرةٍ بلا محتوى، وحريةٍ بلا ضوابط.

بين الشاشة والضمير.. المعركة لم تُحسم بعد

ليست الريلز مجرد موجة عابرة، بل معركة فكرية وثقافية واجتماعية، تُخاض في كل هاتف، وعلى كل طاولة، وفي كل غرفة طفل سلاحها ليس الحظر فقط، بل الوعي، والمحتوى البديل، والحضور الفعّال للأب والأم والشيخ والمعلم والمربي.

 

 

 

 

تم نسخ الرابط