هل يخضع ذهب الزينة للزكاة؟.. جدل فقهي تحسمه "الإفتاء" وتوضح ضوابط الإخراج

في مواسم الزكاة، يكثر التساؤل بين النساء والرجال على حد سواء حول مصير الحلي الذهبية المستخدمة للزينة، وهل تدخل ضمن الأموال الواجبة فيها الزكاة؟، وهل يُلزم الزوج بإخراج زكاة ذهب زوجته إن بلغ النصاب؟، أسئلة تتكرر على منصات الإفتاء ومواقع التواصل الاجتماعي، وتثير نقاشات واسعة في المجالس والبيوت.
في هذا التقرير يستعرض موقع "تفصيلة" الرأي الشرعي الموثوق الذي أصدرته دار الإفتاء المصرية، ونقف على آراء المذاهب المختلفة، مع توضيح الفروق الدقيقة بين ذهب الزينة وذهب الادخار، ودور النية في تحديد وجوب الزكاة من عدمه.
الذهب بين الزينة والادخار
الزكاة، بوصفها الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، تمثل التزامًا ماليًا دينيًا عظيمًا يُطهر به المسلم أمواله، ويعزز التكافل الاجتماعي ومن بين صور المال التي يكثر الجدل حولها: ذهب المرأة المُستخدم للزينة.
دار الإفتاء المصرية، وهي المرجعية الرسمية للإفتاء في البلاد، أجابت بشكل حاسم عن هذا التساؤل، حيث أكدت أن القول المعتمد في الفتوى هو عدم وجوب الزكاة في الحلي المستخدم للزينة الشخصية للمرأة، أي أن الحلي الملبوس لا تُخرج عنه زكاة، حتى وإن بلغ وزنه مئات الجرامات، طالما كان الغرض منه هو التزين وليس الادخار أو الاستثمار.
آراء المذاهب الأربعة.. اتفاق الجمهور واختلاف الحنفية
في تحليل شرعي موسع، أوضحت دار الإفتاء أن المسألة خلافية بين الفقهاء:
المالكية والشافعية والحنابلة (وهم جمهور العلماء): لا يرون وجوب الزكاة على الحلي المعد للزينة.
أما الحنفية فيرون وجوب الزكاة في كل ذهب وفضة بلغ النصاب، سواء كان للزينة أو غيرها، مستندين إلى عموم الأحاديث التي توجب الزكاة في الذهب والفضة.
إلا أن جمهور العلماء يُضعفون الأحاديث التي استند إليها الحنفية، معتبرين أنها إما ضعيفة الإسناد أو منسوخة أو مؤولة لظروف معينة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حرمة التزين بالذهب التي كانت سارية في بدايات الدعوة الإسلامية ثم نسخت بإباحة الحلي للنساء.
وعلى الرغم من أن الإفتاء المصرية تميل إلى عدم وجوب الزكاة في ذهب الزينة، فإنها لم تُغلق الباب أمام من أراد إخراج الزكاة احتياطًا وورعًا، خصوصًا للخروج من الخلاف مع المذهب الحنفي.
فمن أرادت إخراج الزكاة عن حليها، فلتحتسب 2.5% من القيمة السوقية للذهب الذي تملكه، بشرط أن يكون الحلي قد بلغ نصاب الزكاة، وهو ما يعادل 85 جرامًا من الذهب عيار 21.
هذه المبادرة من المرأة لا تكون واجبة، لكنها محمودة شرعًا، وتُعد من أبواب التقوى، خاصة في حالات الشك في النية أو عند تعدد الأغراض من اقتناء الذهب.
نية الاقتناء.. العامل الحاسم بين الزكاة وعدمها
ومن المفارقات الدقيقة في الفقه الإسلامي أن نية المرأة عند اقتناء الذهب تُعد عاملًا حاسمًا في تقرير وجوب الزكاة، وهو ما أكدته الدكتورة إيمان محمد، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، موضحة:
إذا كانت النية من شراء الذهب هي الزينة فقط، فلا زكاة عليه.
أما إذا اشترته المرأة بنية الادخار أو الاستثمار أو حفظ القيمة، فإن عليه الزكاة قطعًا، لأنه هنا يُعد مالًا مُدّخرًا.
وهو ما يتفق مع القاعدة الفقهية أن الزكاة لا تجب إلا في المال النامي أو القابل للنماء، وذهب الزينة لا يُعد كذلك في عرف الفقهاء، إلا إذا تغيّرت نيته إلى الادخار.
من يتحمل إخراج الزكاة عن الحلي الزوج أم الزوجة؟
سؤال آخر يتكرر في المجالس العائلية: إذا وجبت الزكاة على الذهب الذي تملكه المرأة، فمن المُلزَم بإخراجها؟
تؤكد دار الإفتاء وعضو مركز الأزهر للفتوى أن المرأة هي المسؤولة شرعًا عن إخراج زكاة مالها، بما فيه ذهبها، وليس زوجها، لأن الزكاة تتعلق بالذمة المالية للشخص المالك، لا من يُعيل أو ينفق عليه.
بالتالي، لا يُلزم الزوج شرعًا بدفع زكاة ذهب زوجته، وإن فعل ذلك تطوعًا فله أجر، لكن لا يُعد ذلك واجبًا عليه.
ما الحكم في الذهب الموروث؟
أحيانًا تَرث المرأة ذهبًا من والدتها أو جدتها، وتستعمله في حياتها اليومية كحلي، وهنا تظهر مسألة مركبة تجمع بين وراثة المال واستخدامه في الزينة.
القاعدة الشرعية التي اعتمدتها دار الإفتاء واضحة:
إذا استُخدم الذهب الموروث في الزينة، فلا زكاة عليه.
أما إذا تُرك الذهب في خزينة أو تم حفظه كادخار أو تهيئة للظروف المستقبلية، فهو مال مدخر تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول.
بين الفتوى الشرعية والورع الشخصي
في نهاية هذا العرض، يمكن القول إن ذهب الزينة الذي تقتنيه المرأة وتستخدمه في حياتها اليومية لا تجب فيه الزكاة عند جمهور العلماء، وهذا هو القول المعتمد لدى دار الإفتاء المصرية.
لكن يُستحب للمرأة الورعة، أو من أرادت الاحتياط، إخراج الزكاة عن هذا الحلي خروجًا من الخلاف، وخصوصًا إن كان الذهب كثيرًا وبلغ النصاب الشرعي.
كما يجب أن تُدرك كل امرأة أن النية عند الشراء والاستخدام تُمثل حجر الأساس في الحكم الشرعي، وأن الزكاة مسؤولية شخصية ترتبط بملكيتها، لا بمن ينفق عليها.