رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

زواج التجربة والبارت تايم.. فتاوى في مواجهة فوضى العلاقات

تعبيرية
تعبيرية

في السنوات الأخيرة، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات العربية موجات من الجدل الحاد حول نماذج غير تقليدية للزواج، مثل "زواج التجربة" و"زواج البارت تايم"، وبينما يرى البعض فيها حلولاً مرنة لمشكلات اجتماعية واقتصادية، يعتبرها آخرون خرقًا صريحًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتفكيكًا لبنية الأسرة.

في هذا التقرير يسلط موقع "تفصيلة" الضوء على آراء العلماء والفقهاء، ويستعرض الموقف الرسمي للمؤسسات الدينية في مصر، ويوضح ما يمكن أن تسببه هذه الظواهر من خلل في المجتمع والأسرة.

زواج التجربة

زواج التجربة هو عقد زواج بين رجل وامرأة يتفقان فيه على شروط زمنية ومادية محددة، وغالبًا ما تكون المدة مشروطة بسنة أو سنتين، يتم بعدها تقييم العلاقة إما للاستمرار أو الانفصال، حسب اتفاق الطرفين.

أما زواج البارت تايم (الزواج الجزئي)، فهو زواج شرعي يتم بعقد ومهر وشهود، لكن يُتفق فيه على أن الزوج لا يعيش بشكل دائم مع زوجته، بل يقيم معها لفترات متقطعة، بسبب ظروف العمل أو الدراسة أو لأسباب شخصية، وقد لا تُسجّل العلاقة في الجهات الرسمية فورًا.

ومع ظهور هذه الأنماط من الزواج، طرحت تساؤلات عديدة بين الشباب والمجتمع المصري، مثل: هل هذه الأنواع من الزواج تُعد حلالًا شرعًا؟، وهل تُحافظ على كرامة المرأة والأسرة؟، وهل هي محاولة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية أم بوابة للتلاعب بالعلاقات؟

هذه التساؤلات سرعان ما تحولت إلى نقاشات حادة، تجاوزت نطاق الأزهر الشريف ودار الإفتاء إلى منصات الإعلام والمجتمع.

الأزهر الشريف يرفض ويستنكر

في بيان رسمي، وصف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية "زواج التجربة" بأنه باطلٌ ومُحرَّمٌ شرعًا، لأنه يتضمن شرطًا يُناقض مقتضى عقد الزواج، وهو الديمومة والاستقرار.

كما شدد على أن هذه الفكرة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع، وتُحول العلاقة المقدسة إلى تجربة مشروطة كأنها صفقة تجارية.

أما "زواج البارت تايم"، فقد حذّر منه المركز أيضًا، معتبرًا أنه إن أُبرم بنية مؤقتة أو بهدف التحايل على شروط الزواج المستقرة شرعًا، فهو يدخل ضمن دائرة "زواج المتعة" المحرَّم.

دار الإفتاء توضح

دار الإفتاء المصرية تعاملت بحذر مع المصطلحات الجديدة، فبينما لم تصدر فتوى مباشرة بتحريم "زواج البارت تايم"، أوضحت في عدة تصريحات أن كل عقد زواج لا يُراعى فيه شروط المهر والرضا والشهود والعلانية يُعد باطلًا، مؤكدة أن تسجيل الزواج في الجهات الرسمية ليس فقط للحماية القانونية، بل أيضًا للحفاظ على حقوق المرأة والأطفال.

وفيما يخص "زواج التجربة"، قالت الإفتاء إنه في حال تم تقييد عقد الزواج بشروط مؤقتة، فذلك يُعد عقدًا فاسدًا غير جائز.

علماء الشريعة يُحذرون من فوضى المفاهيم

الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، قال في تصريحات له، إن هذه الأنواع من الزواج تمثل تفكيكًا مُمنهجًا لقيم الأسرة، مؤكدًا أن الإسلام جعل الزواج رباطًا دائمًا لا تذروه الأهواء أو التجريب، وأن محاولة إدخال شروط زمنية على الزواج تفرغه من مضمونه الشرعي.

كما أشار إلى أن هناك محاولات لأسلمة مصطلحات لا أصل لها في الفقه الإسلامي، مما يفتح الباب لانحرافات أخلاقية وتلاعب قانوني بمصير الأسر.

من جهتها، ترى الدكتورة منى المهدي، أستاذة علم الاجتماع، أن تصاعد هذه الظواهر يعود إلى التحولات القيمية والاقتصادية، حيث يعجز الكثير من الشباب عن تحمل تكاليف الزواج التقليدي، مما يدفعهم إلى البحث عن صيغ مرنة أو غير مكلفة.

لكنها تحذر في الوقت ذاته من أن هذه الحلول المؤقتة قد تخلق مشاكل نفسية واجتماعية للأطفال، وتُضعف بنية الأسرة، وتؤدي في بعض الحالات إلى أزمات تتعلق بالنفقة، والحضانة، والإرث، ونسب الأبناء.

موقف القانون المصري

أما من الناحية القانونية، فإن الزواج غير الموثق يُعتبر ضعيف الحجة أمام المحاكم، خصوصًا في إثبات النسب أو المطالبة بالنفقة أو الميراث، وبالتالي فإن زواج "البارت تايم" الذي لا يُسجل، يضع الزوجة والأبناء في مهب الريح.

أما زواج التجربة، فبحسب المحامي أحمد إسماعيل، فهو زواج ليس له سند قانوني، لأنه يربط العلاقة بشروط باطلة قانونًا، مما يُعرض الطرفين للابتزاز أو التفريط في الحقوق.

توصيات علماء الدين والمجتمع

أكد عدد من علماء الشريعة الإسلامية أنه يجب تعزيز التثقيف الشرعي لدى الشباب بمفهوم الزواج الحقيقي.

كما أكدوا على ضرورة التوعية بـ الزواج الشرعي المنضبط الذي يراعي القدرات الاقتصادية، مثل الزواج الجماعي أو دعم المقبلين على الزواج.

وشدد العلماء على ضرورة مواجهة الظواهر الإعلامية التي تُروج لمصطلحات تفتقر للشرعية أو تعيد إنتاج زواج المتعة في قوالب حديثة، مشددين على ضرورة دعم القوانين التي تُجبر على تسجيل الزواج لحفظ الحقوق.

تم نسخ الرابط