تمويل بلا تمويل.. بلتون بين تضخيم الأرباح وادعاء التوسعات

في الوقت الذي تُعلن فيه شركة بلتون المالية القابضة عن توسعات إقليمية ضخمة، وتحقيق أرباح خيالية، وزيادات رأسمالية غير مسبوقة، تبرز مؤشرات مثيرة للقلق حول مصداقية هذه النجاحات، وحقيقة "التمويلات" التي تروّج لها الشركة.
من إطلاق كيانات تكنولوجية "وهمية التحقق"، إلى ضخ مليارات في مشاريع لا تزال حبرًا على ورق، تفتح هذه السطور ملف "التمويلات الافتراضية" التي تستخدمها بلتون كأداة لشر الرماد في عيون الرأي العام والجهات الرقابية.
روبن.. كيان على الورق أم ذراع حقيقية؟
أعلنت بلتون القابضة، والتي تترأسها داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة، عن إطلاق شركة "روبن" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ضمن خطتها للتوسع في الأسواق الخليجية والأفريقية.
وبحسب التصريحات الرسمية، تعمل "روبن" مع أكثر من 30 عميلًا في المغرب، وتستعد لدخول السعودية والإمارات.
إلا أن معلومات تشير إلى غياب أي تواجد فعلي للشركة خارج مصر، فضلًا عن غموض قائمة عملائها، وعدم توثيق أي من مشاريعها تقنيًا أو تجاريًا في السوق المغربي أو الخليجي.
1.2 مليار دولار.. رقم بلا مرجعية
في مؤتمر صحفي نظمته بلتون، تحدّثت العضو المنتدب لروبن، بسمة راضي، عن وجود استثمارات بـ1.2 مليار دولار في قطاع الذكاء الاصطناعي داخل مصر والمنطقة.
ورغم ضخامة الرقم، لم يُذكر مصدر مستقل واحد يؤكد هذه الأرقام، ولا توجد إشارات لدخول "روبن" فعليًا في أي من هذه الاستثمارات على أرض الواقع، فالبيانات تفتقر للشفافية وتفتقر لتوثيق من هيئات رسمية أو صناديق استثمارية كبرى.
نتائج مالية خادعة.. أرباح من خارج النشاط
أعلنت بلتون عن تحقيق أرباح قياسية في 2024، بلغ صافي الربح فيها 1.7 مليار جنيه، وحققت محفظة ائتمانية تجاوزت 26 مليار جنيه.
لكن مراجعة مصادر هذه الأرباح تكشف أنها ناتجة بشكل رئيسي عن عمليات تمويل غير تقليدية، وبعضها مدعوم من قروض ضخمة من المالك الرئيسي "شيميرا الإماراتية"، ما يطرح تساؤلات حول مصدر التمويل الحقيقي، واستدامة هذه الأرباح دون نشاط تشغيلي ملموس.
زيادات رأسمال متكررة.. غطاء للسيولة؟
رفعت بلتون رأسمالها مرتين في أقل من عامين بإجمالي يقترب من 21 مليار جنيه، في تحرك غير مسبوق بسوق المال المصري.
ويثير توقيت هذه الزيادات تساؤلات عن جدواها، خاصة مع ارتباطها بإعلانات متزامنة عن إطلاق كيانات جديدة أو شراكات ضخمة لم تُنفذ على الأرض.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الهدف الحقيقي هو ترحيل الخسائر القديمة وضمان استمرار تدفقات نقدية من المساهمين لتغطية العجز الهيكلي في السيولة.
قروض وتحالفات ظاهرها التنمية وباطنها "تسويق مالي"
من ضمن التمويلات المعلنة، قرض بقيمة 20 مليون دولار من صندوقين دوليين، وتمويل بـ4 مليارات جنيه لإنشاء استاد النادي الأهلي، وغيرها من مشروعات توصف بـ"التحولية".
ورغم الأرقام المبهرة، لم يتم حتى الآن رصد تنفيذ فعلي لأي من هذه المشاريع على الأرض، مما يعيد للأذهان تساؤلًا قديمًا جديدًا: هل هذه التمويلات حقيقية أم أدوات تسويقية لتجميل المركز المالي أمام المستثمرين؟
توسع في كل الاتجاهات بلا نتائج ملموسة
استعرضت بلتون قائمة طويلة من الشركات التابعة، من "بلتون للتأجير التمويلي"، إلى "بلتون للتمويل العقاري"، مرورًا بـ"كاش للتمويل متناهي الصغر"، التي تضاعفت أرقامها التشغيلية بحسب البيانات الرسمية.
لكن الملاحظة الجوهرية أن هذه الشركات تحقق جميعها "قفزات مالية" في وقت قياسي، دون أن يقابل ذلك توسع حقيقي في السوق، أو ظهور خدماتها بوضوح في النشاط الاقتصادي أو لدى شرائح العملاء.
بلتون.. نموذج لأزمة الحوكمة في الأسواق الناشئة؟
مع إعلان بلتون عن نجاحها في ترتيب سندات توريق ومضاعفة أرباح الأنشطة غير المصرفية، تظهر مؤشرات تشكك في مدى التزام الشركة بمعايير الشفافية والإفصاح.
فالسرد الإعلامي المقدم لا يصحبه بيانات تفصيلية عن نسب التعثر، أو مدى التزام العملاء، أو حتى العائد الحقيقي من هذه الأنشطة، وهو ما يشير إلى نمط متكرر من التجميل المالي والتضخيم الافتراضي للأداء.
التمويل "الوهمي" خطر على بيئة الاستثمار
ما تقوم به بلتون من ضخ بيانات غير موثقة عن توسعات، أرباح، وتمويلات لا تقابلها مشروعات حقيقية، يمثل تهديدًا واضحًا لثقة المستثمرين في السوق المصرية.
فبينما تسعى الدولة لتطوير بيئة الاستثمار، تساهم مثل هذه الممارسات في تقويض الجهود الرسمية عبر خلق مناخ من الغموض والتشكيك.