من الأسرة إلى الأمة.. الأزهر يدعو من لندن إلى وحدة علمائية تُحصّن المجتمعات

في خطبة جمعة استثنائية ألقاها من العاصمة البريطانية لندن، وجه الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، رسالة دعوية وإنسانية شاملة، تناولت التحديات الكبرى التي تواجه الأسرة والمجتمع والأمة الإسلامية، مشددًا على أهمية تعزيز القيم الأخلاقية، والوحدة العلمية، والتكامل الحضاري في مواجهة الانقسامات والتحديات العالمية.
جاءت الخطبة تحت عنوان: «من الأسرة إلى الأمة: كيف تبني الشريعة الإسلامية مجتمعات مستقرة مترابطة؟»، وسط حضور لافت من علماء المسلمين ومسؤولي المؤسسات الدينية من الشرق والغرب، ضمن فعاليات دولية نظمها المركز الإسلامي بلندن، لمناقشة قضايا الأسرة والتماسك المجتمعي.
الأسرة نواة التماسك المجتمعي
استهل الحديدي خطبته بالتأكيد على أن الإسلام ليس مجرد شعائر منفصلة عن الحياة، بل هو منظومة متكاملة تبني الفرد والمجتمع من خلال منظومة القيم والعبادة والمعاملات.
وأكد أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الإنسان، وأن استقرارها هو صمام أمان لاستقرار المجتمعات.
وأوضح أن الشريعة الإسلامية أرست قواعد متينة لصون الأسرة وحمايتها، وأن تحقيق العبادة الحقيقية لا يتم إلا عبر سلوك قيمي يعكس جوهر الإيمان، مشيرًا إلى أن العدل والرحمة والعمران تمثل مقاصد عليا تُرشد تعامل الإنسان مع ذاته ومجتمعه.
خطاب إنساني عالمي.. وتعارف لا تصادم
وتطرق مدير الفتوى الإلكترونية إلى دور الإسلام في بناء جسور التواصل بين الشعوب، مستشهدًا بالآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم ... لِتَعَارَفُوا}، مؤكدًا أن التعارف والتعاون بين الأمم يجب أن يكون بديلًا للتصادم والصراع، وأن كرامة الإنسان وتقواه هما معيار التفاضل في الإسلام، وليس الجنس أو العرق أو اللون.
وأضاف أن الأزمات العالمية تفرض على المسلمين خطابًا رشيدًا يُعلي من قيمة الحوار، ويعزز من فرص التكامل الحضاري والتفاهم بين الثقافات، داعيًا إلى تطوير خطاب ديني معاصر ينطلق من الثوابت وينفتح على المتغيرات.
التمكين مرهون بالإيمان والعمل
كما شدد الحديدي على أن التمكين الحضاري للأمة لا يتحقق إلا بتحقيق التوازن بين الإيمان والعمل، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا...}، مؤكدًا أن البناء الحضاري لا يقوم على الشعارات، بل على العمل الجاد والتخطيط الأخلاقي المستنير.
وأوضح أن الإسلام يدعو إلى الأخوة الدينية والإنسانية معًا، وأن وثيقة المدينة كانت نموذجًا متقدمًا للتعايش المشترك بين مختلف الأديان والأعراق، حيث أرسى النبي الكريم محمد ﷺ دعائم وطن يتسع للجميع دون تمييز أو إقصاء.
الوحدة العلمائية.. ضمانة لاستقرار الأمة
وفي محور بارز من خطبته، شدد الحديدي على أن الفرقة هي الخطر الأكبر الذي يهدد جسد الأمة، داعيًا إلى وحدة علمائية تُبنى على العلم والتواصل والرحمة، لا على الشعارات والخلافات السياسية.
وقال إن اجتماع العلماء في لندن اليوم لمناقشة قضايا الأسرة في أجواء تسودها المحبة والتآخي، هو تجسيد عملي لرؤية الأزهر الشريف في بناء وحدة فكرية تسهم في مواجهة التفكك المجتمعي، مشيرًا إلى أن الاعتصام بحبل الله هو السبيل الأوحد لعبور التحديات الراهنة.
حوار مفتوح بعد الخطبة.. وإشادة بدور الأزهر
عقب الصلاة، شهد المركز الإسلامي حوارًا مفتوحًا بين الدكتور الحديدي وعدد من المصلين، تضمن نقاشات حول الخطبة وقضايا المسلمين في أوروبا، حيث عبّر الحضور عن تقديرهم لجهود الأزهر في نشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
وأشاد الحضور بدور بعثات الأزهر في ترسيخ التعايش السلمي، وتعزيز الانتماء الديني والثقافي لدى الجاليات المسلمة، معتبرين أن حضور الأزهر في الساحة الدولية يمثل صوتًا عاقلًا في زمن الاضطراب.
أنشطة دولية للأزهر لتعزيز القيم والتعايش
وتأتي هذه الخطبة ضمن سلسلة من الأنشطة الدولية التي يضطلع بها الأزهر الشريف لتعزيز الخطاب الديني المعتدل، وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة، وتكريس مفاهيم التفاهم والتعايش المشترك، في إطار الدور العالمي للأزهر كمرجعية إسلامية رائدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.