رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

ميزانيات بلا عرق .. هل تشتري بلتون الأرباح على الورق؟

داليا خورشيد الرئيس
داليا خورشيد الرئيس التنفيذي لبلتون

في مشهد بدا للكثيرين وكأنه عودة مفاجئة إلى الصدارة، أعلنت شركة بلتون المالية القابضة عن قفزات هائلة في أرباحها وإيراداتها، حيث تجاوز صافي الربح حاجز 1.13 مليار جنيه في تسعة أشهر فقط من عام 2024، بنسبة نمو تجاوزت 1218% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

كذلك ارتفعت إيرادات التشغيل إلى 4.8 مليار جنيه، ما يوازي نموًا نسبته 405%.

لكن خلف هذه الأرقام المتألقة، يتساءل خبراء اقتصاديون: هل هذه الأرباح ناتجة عن أنشطة تشغيلية حقيقية أم أنها مكاسب ورقية تستند إلى إعادة هيكلة محاسبية وتمويلات ضخمة؟

أرباح مجمعة صاعدة.. وخسائر فردية صادمة

بنظرة تحليلية لأداء الشركة في الربع الأول من 2025، يتضح تناقض محير؛ فرغم إعلان تحقيق أرباح مجمعة بلغت 747.22 مليون جنيه مقارنة بـ547.88 مليون جنيه في الفترة المقابلة من 2024، إلا أن الأرباح المستقلة تراجعت بشكل حاد إلى 22.8 مليون جنيه فقط، مقابل 263.89 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

هذا التناقض بين الأداء المجمع والمستقل يعيد إلى الواجهة سؤالًا حول مدى واقعية الأرباح وأساسها التشغيلي، خاصة مع اعتماد بلتون على شركات تابعة في مجالات التمويل والتأجير التمويلي، بعضها لا يزال في مرحلة النمو ولا يولّد تدفقات نقدية قوية.

اكتتابات ضخمة لتغطية التوسعات.. أم الخسائر؟

وفي الوقت الذي تحاول فيه بلتون تقديم نفسها كمؤسسة واعدة في عالم المال، جمعت الشركة ما يقرب من 10.5 مليار جنيه خلال المرحلتين الأولى والثانية من اكتتاب زيادة رأس المال، ليصبح إجمالي رأس مالها المصدر 21.44 مليار جنيه.

لكن رغم هذا الرقم الضخم، لم تُغطَ المرحلة الثانية من الاكتتاب سوى بنسبة 71.6% فقط، في مؤشر على فتور نسبي من قبل المستثمرين تجاه جدوى الاكتتاب في ظل الأداء المتذبذب للشركة وسعر السهم الذي لا يعكس فارقًا مغريًا عن السعر السوقي.

النمو على الورق.. والتمويل من الخارج

لا تتوقف طموحات بلتون عند السوق المحلي، فقد حصلت شركتها التابعة للتأجير التمويلي على قرض خارجي بقيمة 20 مليون دولار من صندوقين ألمانيين، أحدهما مختص بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والآخر لتمويل مشروعات الطاقة المستدامة.

ورغم أن الشركة تروّج لهذا التمويل كنجاح في جلب الاستثمار الأجنبي، إلا أن خبراء اقتصاديون يرون أنه أحد الأدوات المستخدمة في توفير السيولة وتجميل المراكز المالية، خاصة في ظل عدم وجود مؤشرات واضحة على تحقيق عوائد تشغيلية من هذه التمويلات خلال المدى القصير.

هل تخفي الأرقام أزمة؟

ما يثير الريبة أكثر هو عدم اتساق نمو الإيرادات مع أداء سهم الشركة في البورصة، إلى جانب تكرار الحديث عن استثمارات ضخمة دون توضيح جدواها الاقتصادية أو أثرها النقدي الفعلي.

وقد أرجع خبراء الاقتصاد هذا التناقض إلى سياسة الشركة في الهيكلة المالية وتدوير الأرباح بين الشركات التابعة، إلى جانب استراتيجيات توسع تعتمد على القروض والاكتتابات بدلًا من الفوائض التشغيلية.

وتعليقًا على نتائج الأعمال، أشار بعض خبراء الاقتصاد إلى أن "بلتون تواصل تسجيل أرباح على الورق، بينما لا تعكس التدفقات النقدية أو نتائج الأعمال المستقلة هذا الأداء القوي، مما يضع علامات استفهام حول الاستدامة الحقيقية لهذا النمو".

شركة بيانات وذكاء صناعي أم شركة مالية؟

في إطار توسعاتها، أعلنت بلتون عن إطلاق شركة جديدة بالكامل تحت اسم روبن لحلول البيانات والذكاء الاصطناعي، لتدخل مجالًا بعيدًا عن تخصصها الأساسي في الوساطة والاستثمار، مما يعكس اتجاهاً إلى التنوع السريع والانتقالي دون بناء خبرات متراكمة، ما يضع الشركة في موضع "المغامر غير المتخصص"، وفقًا لما وصفه أحد المتخصصين.

بلتون بين الصورة اللامعة والواقع الغامض

ما بين إعلانات متفائلة وأرقام مغرية، تقف بلتون القابضة على مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تتحول هذه الأرباح الورقية إلى أرباح تشغيلية حقيقية تحقق استدامة ونموًا فعليًا، أو أن تكون مجرد نتائج مالية "مُجمَّلة" تخفي وراءها أزمة سيولة وهيكل مالي هش.

فهل تستمر بلتون في تقديم "ميزانيات بلا عرق"، أم تنجح في ترسيخ مكانتها كمؤسسة استثمارية حقيقية في سوق يشهد منافسة محتدمة وتدقيقًا متزايدًا من الجهات الرقابية والمستثمرين على حد سواء؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

تم نسخ الرابط