محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد.. تفاصيل خريطة إعادة التموضع الإسرائيلية في غزة

في تطور خطير لمسار مفاوضات التهدئة الجارية في الدوحة، قدم الوفد الإسرائيلي خريطة لإعادة التموضع في قطاع غزة، تمثل عمليًا تقسيمًا ميدانيًا يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تُبقي نحو 40% من القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية، وتؤسس لمرحلة تهجير قسري جماعي للفلسطينيين.
ووفقًا للوثائق التي اطلعت عليها وسائل إعلام دولية، فإن الخريطة تبقي مدينة رفح الفلسطينية بالكامل تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وتحوّلها إلى "منطقة تركيز للنازحين".
هذه الخطوة اعتبرها الباحث في الشؤون الدولية محمد خيري مقدّمة لمشروع تهجير أوسع قد يمتد إلى خارج القطاع، وبخاصة باتجاه الحدود المصرية، وهو ما رفضته مصر مرارا وتكرارا منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية المدمرة في قطاع غزة.
خطة عسكرية بغطاء تفاوضي
تغطي الخريطة الإسرائيلية المطروحة شريطًا يمتد بعمق يصل إلى 3 كيلومترات داخل القطاع، من شمال بيت لاهيا وبيت حانون، مرورًا بمناطق واسعة من خزاعة شرق خان يونس، وصولًا إلى محيط شارع صلاح الدين وبلدة القرارة، وشرق جباليا.
وتصر إسرائيل على الاحتفاظ بما تسميه "نطاقًا أمنيًا" على طول الشريط الشرقي للقطاع، فضلاً عن السيطرة التامة على المحور الحدودي مع مصر (محور فيلادلفيا).
كما تُظهر الخريطة أن الخطوط الجديدة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تقترب من شارع السكة في أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون، مع الإبقاء على نقاط عسكرية في قلب المناطق الوسطى، مثل شارع صلاح الدين ومنطقة دير البلح والقرارة.
رفض فلسطيني
من جانبها، رفضت حركة حماس بشكل قاطع المقترح الإسرائيلي، معتبرة أنه يمثل "إعادة احتلال مقنّع للقطاع"، ويقضي على فكرة السيادة الفلسطينية، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وقال خيري لـ"تفصيلة" إن الخريطة تمهّد لواقع ديموغرافي جديد عبر تركيز مئات آلاف النازحين في منطقة واحدة (رفح)، ومنعهم من العودة إلى ديارهم، محذرًا من "تحويل رفح إلى معسكر احتجاز مفتوح".
وهناك ما لا يقل عن 700 ألف فلسطيني لن يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم الأصلية إذا ما طُبّقت هذه الخريطة، ما يجعل من مسألة "العودة" بندًا عمليًا مستحيل التنفيذ، وفق خيري.
وفي الأثناء، تعمل كل من مصر وقطر والولايات المتحدة على تضييق فجوة المواقف، إلا أن وسائل إعلام عبرية حذرت صباح اليوم السبت من المفاوضات على وشك الانهيار بسبب إصرار إسرائيل على ربط انسحابها الجزئي بملفات أمنية وتبادل الأسرى، دون تقديم التزام بانسحاب كامل أو وقف دائم لإطلاق النار.
وبحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، فإن الولايات المتحدة تحاول الدفع بخطة هدنة مدتها 60 يومًا تتضمن انسحابًا تدريجيًا، على أن تُناقش الخريطة لاحقًا، لكن الجانب الفلسطيني رفض تأجيل البت في حدود الاحتلال الجديدة.
وحذر خيري من أن الخريطة الإسرائيلية المقترحة تنتهك القانون الدولي الإنساني، لكونها تنص فعليًا على اقتطاع أراضٍ مأهولة من قطاع غزة وتحويل السكان إلى نازحين دائمين.
وأكدت الباحث في العلاقات الدولية أن أي خريطة لا تضمن العودة الكاملة للنازحين وتمهد لتغيير ديموغرافي تعتبر "جريمة تهجير قسري"، ومحاولة فرض واقع جديد بالقوة التفاوضية والميدانية.
وبينما يرفض الفلسطينيون هذه الخطة باعتبارها خدعة سياسية وعسكرية، يرى خيري أن مساعي الوسطاء مرهونة بقدرتهم على صياغة تفاهم يضمن الانسحاب الكامل، وعودة السكان، ووقف العمليات القتالية، وهي شروط لم تُلبَ حتى اللحظة.