عمرهم ما مدوا إيديهم على مليم
من تحالف الصفقات إلى دفاع سميح.. قصة المال والسلطة بين آل ساويرس وآل مبارك

أثارت تصريحات رجل الأعمال المصري سميح ساويرس خلال الأيام الماضية جدلا واسعا، بعدما دافع بشدة عن جمال وعلاء مبارك، نجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك، مؤكدًا أنهما لم يستغلا منصب والدهما لتحقيق ثروات أو مكاسب غير مشروعة.
قال ساويرس في إحدى المقابلات الإعلامية: “أقسم أن جمال وعلاء عمرهم ما مدوا إيديهم على مليم في مصر، ولم يدخلوا شركاء مع أحد والله”، هذا التصريح المفاجئ لم يمر مرور الكرام، إذ فتح الباب مجددًا لتسليط الضوء على العلاقة الطويلة والمعقدة بين آل ساويرس وآل مبارك، والتي لطالما كانت محط جدل وتساؤلات في الأوساط السياسية والاقتصادية، والتي ستعرضها " تفصيلة" في التقرير التالي:
التشابك بين المال والسلطة
العلاقة بين العائلتين تعود سنوات طويلة، ولكنها ازادت أواخر التسعينيات، حين بدأت إمبراطورية "أوراسكوم" الاقتصادية في الصعود السريع، خاصة في قطاعات الاتصالات والإنشاءات والسياحة، وفي الوقت الذي حققت فيه المجموعة نجاحات ملفتة، بدأت أصوات في المشهد العام تربط هذا التوسع بعلاقات وثيقة مع دوائر الحكم، خاصة أن قرارات حاسمة في مجالات الاستثمار وتخصيص الأراضي صدرت في تلك الفترة لصالح شركات مملوكة لعائلة ساويرس.
ورغم هذه الشكوك، حرصت العائلة على النأي بنفسها عن دائرة الفساد، وهو ما عبر عنه سميح ساويرس مؤخرًا حين قال إن العلاقة كانت أقرب إلى "مجاملات شخصية من ناس بتحب أبوهم"، في إشارة إلى الرئيس مبارك، نافيًا أي شراكة أو استفادة غير قانونية من قربهم من السلطة.
الحقيقة القضائية والتاريخ المختلف
تصريحات ساويرس بدت في نظر البعض وكأنها محاولة لإعادة تبييض صورة نجلي مبارك، إلا أن سجلات المحاكم تقف على الضفة الأخرى من الرواية، فبحكم قضائي نهائي من محكمة النقض، أُدين جمال وعلاء مبارك في قضية القصور الرئاسية، وقضيا بالفعل عقوبة بالسجن، كما وُجهت لهما اتهامات في قضايا أخرى، بينها التلاعب بالبورصة، قبل أن تتم تبرئتهما لاحقًا.
لكن سميح ساويرس يبدو مصممًا على تفنيد هذه الاتهامات، معتبرًا أن ما جرى لم يكن فسادا منظَّما، بل "حربا على الأب"، في إشارة إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك ، وأن ما حدث كان نتيجة تصفية حسابات سياسية.
"الساويرس" بين جميع الأنظمة
رغم ثقلها المالي وحضورها القوي في السوق المصرية، حافظت عائلة ساويرس على درجة عالية من الحذر السياسي، فبينما كان نجيب ساويرس يهاجم جماعة الإخوان المسلمين بعد 2012، لم تقطع العائلة علاقاتها مع رموز النظام الأسبق، كما لم تدخل في صدام مباشر مع المجلس العسكري أو الحكومات التالية.
هذا التوازن، الذي يمكن وصفه بالبراغماتية الذكية، والذي مكّن العائلة من الحفاظ على استثماراتها واستمرار توسعها داخل مصر وخارجها. وهو ما يفسر، ربما، دفاع سميح ساويرس عن جمال وعلاء، في توقيت تشهد فيه الساحة المصرية تغيرات في النظرة إلى مرحلة مبارك.
من محاولة إنقاذ مبارك إلى الدعوة للعفو
تاريخ العلاقة بين نجيب ساويرس ومبارك لا يخلو من تناقضات، فبعد ثورة 25 يناير، صرح نجيب بأنه حاول إنقاذ الرئيس الأسبق من السقوط، لكنه فشل بسبب تمسك النظام بمشروع التوريث، وفي 2014، دعا نجيب إلى العفو عن مبارك بسبب سنه وظروفه الصحية، معتبرًا إياه "أفضل من رؤساء كثيرين في المنطقة"، وهو تصريح عكس احترامًا شخصيًا للرجل رغم التحفظات السياسية.
وفي تصريحات لاحقة، أكد نجيب ساويرس أن التاريخ هو وحده القادر على تقييم مرحلة حكم مبارك، ما يعكس موقفًا متوازنًا يتفادى المواجهة المباشرة مع أي طرف سياسي.
من الشراكة الصامتة إلى إعادة رسم الصورة
تعكس تصريحات سميح ساويرس الأخيرة بعدا أعمق من مجرد رأي شخصي، فهي تمثل محاولة لإعادة رسم العلاقة بين المال والسلطة في مصر، وتسليط الضوء على تعقيد المشهد السياسي الاقتصادي في حقبة ما قبل الثورة وما بعدها.
وبينما يحاول البعض طي صفحة نظام مبارك، تأتي هذه التصريحات لتذكر بأن بعض الروابط القديمة لا تزال قائمة، وأن المصالح المشتركة وإن تغيّرت أشكالها لم تغب عن الساحة.