مراجعة شاملة لحماية حق السكن وملكية العقار دون تصادم
خاص | القومي لحقوق الإنسان يواجه قانون الإيجار القديم بمذكرة برلمانية حاسمة

في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش المجتمعي والبرلماني حول مشروع قانون الإيجار القديم، يتحرك المجلس القومي لحقوق الإنسان لتقديم مقاربة متوازنة تتعامل مع القضية من منظور دستوري وإنساني يحترم حقوق جميع الأطراف. فالملف لا يخص فقط العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، بل يتعلق بشكل مباشر بحقوق السكن والملكية، والاستقرار الاجتماعي لملايين الأسر المصرية.
المجلس يرفض مشروع الإيجار القديم
وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة لـ«تفصيلة»، عن التفاصيل الغير معلنة في اجتماع المجلس القومي لحقوق الإنسان الأخير، مؤكدا أن المجلس القومي لحقوق الإنسان اتخذ موقفًا حاسمًا تجاه مشروع قانون الحكومة بشأن الإيجار القديم، كما أن أعضاء المجلس عبّروا بوضوح عن رفضهم القاطع للصيغة الحالية لمشروع القانون.

وأوضحت المصادر أن المجلس يرى أن الحكومة أخفقت في تقديم رؤية عادلة أو بيانات محدثة حول الأزمة، حيث استندت بحسب تعبيرهم إلى "إحصائيات قديمة لا تعكس الواقع المعيشي الحالي"، وهو ما يمثل إخلالًا بالتوازن المطلوب بين أطراف العلاقة الإيجارية، ويهدد بانفجار اجتماعي وشيك.
وأضافت أن أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان يعكفون حاليًا على إعداد مذكرة تفصيلية بملاحظاتهم وتوصياتهم لعرضها على مجلس النواب خلال الأيام المقبلة، حيث تتضمن المذكرة مطالبات واضحة بالتريث وعدم التعجل في تمرير القانون، وضرورة تمديد المهلة الزمنية المقترحة حتى تتاح الفرصة لإعداد قاعدة بيانات دقيقة، تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للأزمة.
زيادة تدريجية في الأجرة لا تتجاوز 20%
وشددت المصادر على أن المجلس القومي لا يمانع إجراء تعديلات توازن بين حقوق الملاك وحقوق المستأجرين، لكنه في الوقت ذاته يرفض أي مقترحات تؤدي إلى إنهاء العلاقة الإيجارية قسرًا، لما قد تسببه من فجوة خطيرة تؤثر على السلم المجتمعي، مشيرين إلى أن المجلس يدعو فقط إلى زيادة تدريجية في الأجرة لا تتجاوز 20%، دون المساس بحق السكن أو مخالفة أحكام المحكمة الدستورية العليا.
كما أكدت المصادر أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يعتبر هذا الملف أحد أبرز ملفات العدالة الاجتماعية في المرحلة الراهنة، وأنه لن يقف موقف المتفرج أمام أي محاولة لإعادة إنتاج الظلم، سواء للمالك أو المستأجر، دون الاعتماد على بيانات حديثة ومقاربة واقعية تحفظ كرامة الجميع.
ويستعرض موقع تفصيلة أهم ما جاء في اجتماع المجلس القومي لحقوق الإنسان الأخير، وجاء كالتالي:
مشيرة خطاب: لا يجوز أن تكون الحماية من طرف واحد
وحول الحديث عن قانون الإيجار القديم، قالت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن المجلس يتابع عن كثب تداعيات مشروع قانون الإيجار القديم، ويؤمن بأن معالجة هذا الملف الشائك يجب أن تقوم على مبدأ الإنصاف لا الانتصار لطرف على حساب الآخر، قائلة: "نحن أمام معادلة معقدة، فهناك حق أصيل في السكن كفله الدستور والمواثيق الدولية، وهناك في المقابل حق مشروع للملكية يجب احترامه".

وبخصوص الإيجار القديم، أشارت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى أن المادة الخامسة من مشروع القانون، والتي تنص على إنهاء العلاقة الإيجارية فور سريان القانون، تطرح إشكالية حقيقية تتعلق بأمن واستقرار ملايين المواطنين ممن يقيمون في هذه الوحدات منذ عقود طويلة، كما أن إنهاء العلاقة بشكل فوري، دون تدرج زمني أو خطة انتقالية واضحة، قد يؤدي إلى أوضاع مأساوية وتهجير غير مباشر لأسر محدودة الدخل، وهو أمر لا يمكن للمجلس أن يقبله.
وشددت على أن المجلس يدرس كافة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقانونية لهذه التعديلات المقترحة، وسيُصدر توصيات تعكس الحرص على إحداث توازن حقيقي بين الحق في السكن والحق في الملكية.
حماية الملكية لا تعني تهديد الاستقرار الأسري
أما المحامي والحقوقي عصام شيحة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وأمين اللجنة التشريعية به، فقد أكد أن المجلس بصدد إعداد دراسة قانونية شاملة تتناول ملف الإيجارات القديمة في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، والمبادئ العامة للقانون.
وأضاف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن الملكية الخاصة حق مصون بموجب الدستور، لكن لا يجوز أن تُستخدم ذريعة لإنهاء علاقات قانونية امتدت لعقود من الزمن، دون توفير بدائل أو فترات انتقالية كافية، كما أن المشكلة ليست فقط قانونية، بل لها جذور اجتماعية متراكمة، ويجب أن نحرص على صياغة قانون يراعي هذا التاريخ المعقد للعلاقة الإيجارية.

وأكد أن المجلس يسعى إلى التوصية بنصوص تحقق عدالة انتقالية، عبر فرض زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية تتوافق مع دخل المواطن، أو تقديم دعم حكومي للشرائح الأشد فقرًا حتى لا تتحول الأزمة إلى تهديد للاستقرار الاجتماعي.
لا نريد أن نُفاجأ بانفجار اجتماعي
ومن جهته، قال عبد الجواد أحمد، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن ملف الإيجار القديم قنبلة اجتماعية موقوتة إذا لم تتم معالجته بحكمة وتدرج وعدالة.
وأضاف أن المجلس لا يستهين بحقوق الملاك الذين صبروا طويلًا على أوضاع مجحفة، ولكننا في ذات الوقت لا نستطيع القبول بأن يتم طرد أسر بأكملها من مساكنها بين ليلة وضحاها، دون توفير حلول بديلة.

وأكد عبد الجواد أن المجلس يجري جلسات استماع ويستعين بخبراء في الإسكان والاجتماع والقانون، لصياغة رؤية تُعرض على الجهات التشريعية والتنفيذية، قائلا: "نحن لا نعمل في معزل عن البرلمان أو الحكومة، بل نتكامل معهم من أجل إيجاد حل يحفظ نسيج المجتمع".
ليست مجرد عقود إيجار بل إنها علاقات حياة
واختتم الدكتور إسماعيل عبد الرحمن، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بالتأكيد على أن أزمة الإيجار القديم لا يمكن أن تُقاس فقط بحسابات قانونية جامدة، فهذه ليست مجرد عقود، بل هي علاقات إنسانية وعائلية استمرت لعقود، وخلقت أنماطًا معيشية كاملة لا يجوز تهديدها بدون دراسة عميقة.
وأضاف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أنه يجب علينا أن نُعيد التفكير في العلاقة الإيجارية بشكل جديد، يضمن تدفق المال العادل للمالك دون أن يتحول إلى طرد للمستأجر، كما أنه يجب أن تشمل أي حلول مقترحة دعمًا حكوميًا مباشرًا أو غير مباشر، وتمكينًا حقيقيًا للطبقات المتوسطة والفقيرة من الحفاظ على سكنها.