رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
معتز سليمان
مدير التحرير
نصر نعيم

إعادة رسم خريطة النفوذ.. ما الذي يجري في ليبيا؟

عناصر من الفصائل
عناصر من الفصائل المسلحة في ليبيا

شهدت العاصمة الليبية طرابلس، الأسبوع الماضي، تصعيدًا عسكريًا خطيرًا بعد اغتيال أحد أبرز قادة الفصائل المسلحة، عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، ما فجّر موجة من الاشتباكات العنيفة استمرت ثلاثة أيام، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، في أحدث فصول الأزمة المستمرة التي تعصف بالبلاد منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011.

تجدد الاشتباكات

اندلعت المواجهات العنيفة مساء الثلاثاء 12 مايو، إثر مقتل الككلي خلال اجتماع بمقر اللواء 444 التابع لوزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. 

أعقب الحادث قرارات أمنية حاسمة من الدبيبة، شملت إعادة هيكلة بعض الأجهزة الأمنية وحل كيانات موازية، ما أدى إلى تصعيد حاد في القتال بين قوات موالية للحكومة وتشكيلات رافضة للقرارات، وسط غضب شعبي متزايد خرج إلى الشوارع للمطالبة برحيل الحكومة ووقف الاقتتال.

صراع نفوذ

تسيطر حكومة الدبيبة على معظم طرابلس، لكن المدينة عمليًا مقسّمة بين مجموعات مسلحة متشابكة الولاءات، بعضها يعمل تحت مظلة الدولة، في حين يحتفظ باستقلال فعلي على الأرض. 

وتُعدّ هذه التشكيلات امتداداً لتحالفات جهوية ومصلحية، تتبدل باستمرار وفق المتغيرات السياسية والميدانية.

وتسعى الحكومة حاليًا، إلى فرض هيمنة مركزية على القطاع الأمني في الغرب الليبي، من خلال تفكيك الأجهزة غير المنضوية رسميًا تحت وزارة الداخلية أو الدفاع، وتحجيم نفوذ القادة غير الموالين بشكل مباشر لرئاسة الوزراء.

المجلس الرئاسي يجمّد قرارات الدبيبة

في تطور لافت، أعلن المجلس الرئاسي، الذي يرأسه محمد المنفي، وقفًا شاملاً لإطلاق النار، وقرر تجميد جميع القرارات العسكرية والأمنية الصادرة عن الدبيبة خلال الأزمة، مطالبًا الوحدات العسكرية بالعودة الفورية إلى مقارها. 

ويكتسب المجلس أهمية خاصة لكون بعض الكيانات الأمنية، مثل جهاز دعم الاستقرار وجهاز الردع، تتبع له اسميًا.

التشكيلات المسلحة في الغرب الليبي

تتوزع القوى المسلحة في غرب ليبيا بين تحالفين رئيسيين:

التحالف الموالي للدبيبة ويضم:

  • اللواء 444 بقيادة محمود حمزة
  • اللواء 111 بقيادة عبد السلام زوبي
  • القوة المشتركة بمصراتة
  • قوة الإسناد بمدينة الزاوية
  • عناصر من الزنتان بقيادة عبد الله الطرابلسي

التحالف المناوئ للدبيبة ويشمل:

  • جهاز الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة
  • جهاز دعم الاستقرار (الذي كان يقوده الككلي)
  • جهاز المخابرات العامة بقيادة حسين العائب
  • قوات أسامة الجويلي في الجبل الغربي

هذا الانقسام يعكس طبيعة الصراع متعدد الأطراف في ليبيا، حيث لا توجد سلطة مركزية موحدة قادرة على ضبط الفصائل أو احتواء الخلافات المسلحة.

سلسلة استقالات ورسائل سياسية متبادلة

في خضم الغضب الشعبي، قدّم عدد من الوزراء ونواب الوزراء في حكومة الوحدة استقالاتهم، كما دعمت ست مجالس بلدية في غرب طرابلس مطالب المتظاهرين، ما فُسّر كمؤشر على تصدّع داخلي في حكومة الدبيبة.

من جهته، بدأ رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، مشاورات مع مجلس النواب في الشرق لاختيار شخصية جديدة لتشكيل حكومة، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لإعادة ترتيب المشهد السياسي.

لكن الدبيبة حرص على الظهور بمظهر المتماسك، حيث استقبل وفودًا من وجهاء طرابلس وأعيان مصراتة، مسقط رأسه، في رسالة واضحة لتأكيد الدعم القبلي والمناطقي لحكومته.

قلق دولي وتحذيرات متزايدة

أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه العميق إزاء التصعيد، مؤكداً ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.

كما أقدمت دول عدة، بينها تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة، على إجلاء رعاياها أو تحذيرهم من السفر إلى ليبيا.

الفاعلون الرئيسيون في المشهد الليبي

  • عبد الحميد الدبيبة: رئيس حكومة الوحدة الوطنية، يحاول الحفاظ على سيطرته من خلال تحالف هش من التشكيلات المسلحة.
  • أسامة حماد: رئيس الحكومة المنافسة في الشرق، مدعوم من البرلمان وخليفة حفتر.
  • خليفة حفتر: قائد الجيش الوطني الليبي، يسيطر على شرق وجنوب البلاد.
  • محمد المنفي: رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وممثل لسلطة وسطية بين الحكومتين.
  • عقيلة صالح: رئيس مجلس النواب، من أبرز داعمي حكومة حماد.
  • خالد المشري ومحمد تكالة: يتنازعان رئاسة المجلس الأعلى للدولة بعد انتخابات مثيرة للجدل عام 2024.

الصراع على الموارد 

لا يقتصر الصراع في ليبيا على السلطة السياسية والعسكرية، بل يشمل أيضاً الموارد الاقتصادية، وفي مقدمتها الاتصالات والنفط. 

فقد أمرت النيابة العامة باعتقال مسؤولين في شركة المدار الحكومية للاتصالات، في خطوة تقول حكومة الدبيبة إنها ضمن حملة لمكافحة الفساد.

أما قطاع النفط، فرغم أهميته الحيوية، فقد تحوّل تدريجياً إلى أحد أدوات النفوذ بين الفصائل، حيث تختلف القوى المسيطرة على الحقول والموانئ، ما يعقّد إمكانية الاستفادة الوطنية الموحدة من هذه الثروة.

احتجاجات شعبية وسط مخاوف من تفاقم الوضع

خرج المئات من سكان طرابلس في مظاهرات حاشدة تطالب برحيل الحكومة، بينما قدرت الأمم المتحدة عدد ضحايا الاشتباكات الأخيرة بـ8 قتلى. 

وعبّر محتجون عن يأسهم من استمرار الفوضى وسفك الدماء، وسط تحذيرات من موجة عنف جديدة إذا لم يتم احتواء الأزمة سريعاً.

أزمة مستعصية على الحل

ما حدث في طرابلس لم يكن سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل من الانقسام السياسي والتفكك الأمني. 

ومع تصاعد الصراع على النفوذ والموارد، واستمرار الانقسام بين حكومتين في الشرق والغرب، تبدو ليبيا اليوم غارقة في متاهة من الأجندات المتضاربة والفصائل المسلحة التي تحول دون أي استقرار دائم.

تم نسخ الرابط