ماذا يحدث في ليبيا خلال الساعات الماضية؟.. خبراء يكشفون التفاصيل
خاص| ليبيا على حافة الانفجار.. تحليلات الخبراء تكشف المخاطر القادمة

تشهد العاصمة الليبية طرابلس واحدة من أخطر موجات التوتر الأمني خلال الأشهر الأخيرة، حيث تصاعدت حدة الاشتباكات المسلحة بين عناصر من جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب، وقوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وسط صمت رسمي مربك، وتحذيرات دولية من تداعيات وخيمة على حياة المدنيين وسلامة مؤسسات الدولة.
فوضى على الأرض.. وإخلاء للمطار
أكدت العديد من التقارير الإعلامية أن الاشتباكات تركزت في مناطق سوق الجمعة ومحيط مطار معيتيقة، ورافقها دوي انفجارات عنيفة وأصوات قصف متبادل، مما دفع السلطات لتحويل الرحلات من مطار معيتيقة إلى مطار مصراتة، وسط حالة من الهلع بين سكان الأحياء المجاورة. كما أعلن الهلال الأحمر الليبي رفع حالة التأهب القصوى، فيما كشف جهاز الشرطة القضائية عن فرار سجناء من أصحاب الأحكام المشددة من سجن الجديدة نتيجة التوترات المستمرة.
تحذير أممي.. ومساعٍ للتهدئة
دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، محذرة من أن استمرار الاشتباكات في مناطق مأهولة بالسكان يهدد بانهيار الأمن ويعمّق الفجوة بين الفصائل المتنازعة، مشيرة إلى استعدادها لتقديم وساطة سياسية.
هذه الفوضى لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي
وفي سياق متصل، قال اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، إن ما تشهده العاصمة الليبية طرابلس خلال الساعات الأخيرة من اشتباكات مسلحة وفوضى أمنية بين قوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية وعناصر من "جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب"، وسط تحذيرات محلية ودولية من تداعيات خطيرة على المدنيين والسلم الاجتماعي، يعكس خطورة الوضع الليبي واستمرار هشاشة مؤسسات الدولة في ظل الانقسام السياسي والصراع بين الميليشيات المسلحة.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«تفصيلة» أن الأحداث الأخيرة تؤكد أن الدولة الليبية لا تزال بعيدة عن الاستقرار المنشود، وأن هناك حاجة ملحة لإعادة بناء المنظومة الأمنية والمؤسسات الوطنية على أسس مهنية ومحايدة، لافتًا إلى أن هذه الفوضى لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي العام في ليبيا، حيث لا تزال السلطة منقسمة بين حكومتين، وتتنازع الميليشيات النفوذ على الأرض، في غياب أي سلطة مركزية موحدة قادرة على فرض القانون وبسط سيادة الدولة.
وتكرار هذه الحوادث يعيد ليبيا إلى دائرة الخطر، ويهدد بتقويض أي جهود سياسية أو أممية تهدف إلى إنجاز تسوية شاملة للأزمة.
وأشار فرحات إلى أن هذه التطورات تنذر بتداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، خاصة لدول الجوار وفي مقدمتها مصر، التي تتعامل مع الملف الليبي من منطلق الحفاظ على الأمن القومي، ومنع تسلل العناصر الإرهابية أو تهريب الأسلحة عبر الحدود، مشددًا على أن مصر تتابع عن كثب ما يحدث في ليبيا، وتواصل دعمها للحلول السياسية التي تضمن وحدة الأراضي الليبية، وتعزز مؤسسات الدولة بعيدًا عن منطق الميليشيات والسلاح المنفلت.
ودعا فرحات المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه الأزمة الليبية، مطالبًا بتفعيل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتعامل بجدية مع مسألة حل الميليشيات، وفرض حظر على تسليحها، وتهيئة بيئة آمنة لإجراء الانتخابات التي طال انتظارها.
كما شدد على أهمية دعم الجهود الإقليمية، وفي مقدمتها الدور المصري، في الدفع نحو حل سياسي شامل، يجنب ليبيا المزيد من الدماء، ويعيد لها أمنها واستقرارها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الشعب الليبي يستحق الاستقرار بعد سنوات من الفوضى، ولا بد أن تتكاتف الجهود لإنقاذ الدولة الليبية من الانهيار وتحقيق تطلعات شعبها نحو السلام والتنمية.
حتيتة: الأطراف تخلّت عن الدولة لصالح مصالحها
وفي سياق متصل، قال عبدالستار حتيتة، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الليبي، إن ما يحدث حاليًا هو نتيجة مباشرة لتعدد الرؤوس داخل الغرب الليبي، حيث "لا يوجد جسم عسكري موحد، بل تكتلات مسلحة متنافسة تتحرك وفق حسابات محلية وعابرة للحدود".
كما أن الاشتباكات الأخيرة تعكس صراعًا داخليًا على من يقود هذا المعسكر المتشظي، حيث هناك محاولات لتوحيد القوى المسلحة تحت قيادة واحدة، لكن من يرفض هذا التوحيد يُقصى أو يُستهدف ضمنيًا، ويعتقد أن ما نراه الآن هو تصفية حسابات داخلية بين حلفاء الأمس.

القوى المسلحة.. خارج السيطرة؟
وأشار حتيتة في تصريحات خاصة لموقع "تفصيلة" إلى أن ما يُطلق عليها مؤسسات أمنية "ليست سوى واجهات رسمية لقوى غير نظامية"، موضحًا أن جهاز الردع نفسه لا يخضع بالكامل لأي جهة سياسية، بل يعمل على الأرض بقواعد اشتباك تختلف عن غيره من الفصائل.
وتابع: «هناك حكومة لا تمارس سلطتها الكاملة، ووزارات تتبعها شكليًا، بينما القرار الحقيقي موزع بين جماعات مسلحة بعضها يملك علاقات خارجية تؤثر على مسار الأحداث، وبهذا الشكل لا يمكن الحديث عن استقرار دائم».
هل تتدخل تركيا؟
فيما يخص الدور التركي، ذكر أن اللاعب الإقليمي يتحرك بتنسيق مع قيادات داخلية، لكن الإشكالية تكمن في التواصل المباشر بين قادة الميليشيات ودول أجنبية دون علم المؤسسات الرسمية، معتبرًا أن ذلك يمثل تهديدًا وجوديًا لأي دولة تحاول استعادة سيادتها.
وأضاف: «العمالة المصرية في الغرب الليبي مستقرة إلى حد كبير لأنها موجودة منذ ما قبل 2011، وقد تأقلمت مع تعقيدات الواقع الأمني المحلي»، مضيفًا أن معظم الباحثين عن عمل الجدد يتوجهون إلى الشرق حيث الاستقرار النسبي.
تشير كل المؤشرات إلى أن طرابلس تقف على حافة انفجار أمني شامل، في ظل غياب قرار سياسي موحد، وصراع بين الفصائل على النفوذ داخل العاصمة.
وبينما تحذر الأمم المتحدة من كارثة، تبقى أسئلة المصير الليبي معلقة على قدرة الأطراف الفاعلة على توحيد المؤسسات الأمنية أو على الأقل ضبط الفوضى المتصاعدة.