تفكيك خطاب التطرف علميًا.. «طابة» تطلق مشروعًا بحثيًا غير مسبوق
في توقيت بالغ الحساسية، تتقاطع فيه التحديات الأمنية مع معارك الوعي والفكر، أطلقت مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات مشروعها العلمي الجديد تحت عنوان «مقولات التنظيمات المتطرفة»، في خطوة وُصفت بأنها نقلة نوعية في مسار المواجهة الفكرية المنظمة مع خطاب التطرف والعنف المشروع لا يكتفي بإدانة الشعارات المتشددة أو تفنيدها على نحو إنشائي، بل يغوص في عمق النصوص المرجعية التي تتغذى عليها التنظيمات المتطرفة، ويعيد تفكيك بنيتها اللغوية والفكرية، عبر رصد وتحليل آلاف المقولات المستخرجة من مصادرها الأصلية.
حفل الإطلاق.. حضور رسمي وعلمي رفيع المستوى
مساء الثلاثاء 30 ديسمبر 2025، احتضنت مؤسسة طابة حفل الإطلاق الرسمي للمشروع، وسط حضور لافت جمع بين القيادات الدينية والفكرية، والخبراء الاستراتيجيين، وممثلي المؤسسات البحثية الإقليمية. الحدث لم يكن بروتوكوليًا عابرًا، بل جاء ليعكس حجم الرهان المعقود على المشروع، بوصفه أحد أخطر وأدق المشاريع البحثية في ملف مكافحة التطرف.
وشهد الفعالية معالي وزير الأوقاف المصري الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة طابة الحبيب علي الجفري، إلى جانب الدكتور أيمن عبد الوهاب، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والوزير المفوض علاء التميمي، مدير إدارة البحوث والدراسات بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والدكتور يوسف عامر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، فضلًا عن نخبة من كبار الباحثين والمتخصصين من مراكز فكرية وأكاديمية متعددة.
مشروع علمي دقيق: أرقام تكشف حجم العمل
بحسب ما أعلنته مؤسسة طابة خلال الحفل، فإن المشروع يعتمد على رصد وتحليل ما يقارب 3000 مقولة متطرفة، جُمعت بدقة من 401 كتاب، تعود لأكثر من 62 كاتبًا يُعدّون من أبرز منظّري التنظيمات المتطرفة على اختلاف مسمياتها واتجاهاتها هذا الكم الهائل من المادة النصية لم يُجمع بشكل عشوائي، بل خضع لعملية فرز علمية ومنهجية صارمة، استهدفت استخراج العبارات المؤسسة للفكر المتطرف، وتلك التي تشكّل المرجعية الخطابية والفقهية لهذه التنظيمات.
منصة رقمية مغلقة.. المعرفة في يد الباحث لا المتطرف
أحد أبرز ملامح المشروع، كما أوضحت المؤسسة، هو إتاحته عبر منصة رقمية متخصصة غير مفتوحة للعامة، ومخصصة حصريًا للباحثين والخبراء والمؤسسات المعنية هذا القرار يعكس وعيًا عميقًا بخطورة تداول مثل هذه النصوص خارج الإطار الأكاديمي المنضبط، ويؤكد أن الهدف ليس إعادة نشر خطاب التطرف، بل تمكين الباحثين من أدوات علمية دقيقة لفهمه وتفكيكه والرد عليه.
المنصة لا تكتفي بعرض المقولات، بل تصنّفها وفق محاور موضوعية وفكرية، تشمل قضايا التكفير، والولاء والبراء، والحاكمية، والجهاد، والموقف من الدولة والمجتمع، والعلاقة مع الآخر، وغيرها من المفاهيم التي تشكل العمود الفقري لخطاب التنظيمات المتطرفة.
إدارة الحوار والعرض العلمي.. قراءة تحليلية عميقة
أدار جلسة الحوار السيد محمد السقاف، الذي نجح في فتح نقاش معمّق حول أبعاد المشروع وأهدافه، فيما قدمت العرض الرئيسي الأستاذة أمل مختار، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث استعرضت الإطار المنهجي للمشروع، وأبرز التحديات التي واجهت فريق العمل، إضافة إلى القيمة البحثية المضافة التي يقدمها للباحثين وصنّاع القرار.
وأكدت مختار أن المشروع لا ينطلق من ردود أفعال آنية، بل يقوم على تراكم معرفي، ويهدف إلى بناء قاعدة بيانات شاملة تُستخدم في الدراسات المقارنة، وتحليل تطور خطاب التنظيمات المتطرفة عبر الزمن، ورصد التحولات في مفرداتها وأساليبها الدعائية.
الأزهري: المواجهة الحقيقية تبدأ من تفكيك الخطاب
شدد معالي وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري على أن معركة مواجهة التطرف ليست أمنية فقط، بل هي معركة فكرية بالدرجة الأولى، تبدأ من فهم النصوص التي يستند إليها المتطرفون، وكيفية توظيفها خارج سياقها الشرعي والتاريخي.
وأوضح أن مثل هذه المشاريع العلمية تمثل ركيزة أساسية في بناء خطاب ديني رشيد، قادر على كشف الزيف المنهجي الذي تقوم عليه التنظيمات المتطرفة.
الجفري: تحصين الوعي مسؤولية علمية وأخلاقية
أما الحبيب علي الجفري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة طابة، فأكد أن المشروع يأتي في إطار رؤية شاملة تسعى إلى تحصين الوعي الجمعي، خاصة لدى النخب العلمية والدعوية، من خلال تقديم أدوات معرفية دقيقة، بعيدًا عن التبسيط المخل أو الخطاب الانفعالي. واعتبر أن مواجهة التطرف لا تكون بالشعارات، بل بالعلم، والتأصيل، والتفكيك المنهجي الرصين.
البعد الإقليمي.. اهتمام عربي متزايد
حضور ممثل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، الوزير المفوض علاء التميمي، عكس البعد الإقليمي للمشروع، حيث أشار إلى أهمية توحيد الجهود البحثية العربية في مواجهة خطاب التطرف، والاستفادة من مثل هذه المبادرات النوعية في صياغة سياسات ثقافية وتعليمية وإعلامية أكثر وعيًا بخطورة الفكر المتشدد.