محمد زكي يكتب: شعب الـ«كـروان مشاكل»
في الأيام العادية الناس ماشية في حالها شغل، مواصلات، مسؤوليات وضغط ما بيخلصش.. الكل بيجري ورا لقمة العيش، وبيحاول يعدي يومه بأقل خسائر ممكنة.
الغريب إنه وسط كل ده بنسيب الحاجات اللي بجد تستاهل التركيز ونمسك في تفاصيل ملهاش أي وزن ونكبرها لحد ما تبقى قضية رأي عام.
أصبحنا نعيش في وقت الخبر المهم يعدي بهدوء والإنجاز الحقيقي ياخد سطرين بينما مشهد فارغ أو تصرف مثير للجدل يسيطر على الكلام ويشد الانتباه ويقلب الدنيا كأننا كمجتمع بقينا ندور على الأسهل والأخف والأسرع في الانتشار حتى لو كان بلا معنى.
ما حدث أمس في زفاف البلوجر كروان مشاكل مش خارج عن الصورة دي هو مش حدث استثنائي ولا مفاجأة لكنه نتيجة طبيعية لمسار طويل اتعودنا فيه نسلط الضوء للي بيعرف يعمل ضجيج مش للي بيعمل قيمة.
ما جرى أمس في زفاف كروان مشاكل وما صاحبه من مشاهد أثارت الجدل والسخرية والغضب في نفس الوقت لا يمكن النظر إليه كواقعة منفصلة.. ما حدث هو جزء من صورة أكبر نعيشها كل يوم صورة تكشف خللًا واضحًا في ترتيب أولوياتنا وفي ذوقنا العام وفي فهمنا لمعنى الشهرة ومن يستحق فعلًا أن نتابعه ونمنحه هذا الاهتمام
المشكلة هنا ليست في شخص بعينه ولا في اسم واحد قرر أن يعيش لحظته تحت الأضواء فالأشخاص مهما كان حضورهم صاخبًا يظلون نتيجة لا سببًا.
السبب الحقيقي هو المناخ الذي صنع هذه الشهرة واحتفى بها ورفعها إلى الواجهة حتى أصبحت سواء أردنا أو لا– تعبيرًا عن صورة المجتمع كله.
نحن نعيش حالة تناقض واضحة دولة تعمل في أكثر من اتجاه بناء وتطوير ومشروعات ونماذج نجاح حقيقية في مجالات العلم والاقتصاد والعمل.. وفي المقابل يتصدر المشهد على مواقع التواصل محتوى سطحي بلا قيمة حقيقية ولا رسالة ولا نموذج يحتذى به.. المفارقة أن الضوء لا يذهب غالبًا إلى من يستحقه بل إلى من يعرف فقط كيف يلفت الانتباه.
ومن هنا هنلاقي السؤال الأهم: لماذا نتابع هؤلاء؟ ولماذا نصنع منهم نجومًا؟
الإجابة لا تتعلق فقط بالفضول أو الترفيه لأن الترفيه نفسه له أشكال أفضل وأعمق، ما يحدث في الحقيقة هو نتيجة علاقة مختلة.. جمهور يبحث عن الهروب ومنصات تبحث عن المشاهدات وخوارزميات تكافئ الصخب لا القيمة وإعلام في بعض الأحيان ينجرف خلف التريند بدل أن يصنع وعيًا.
ما حدث أمس ليس لحظة عابرة بل نتيجة سنوات من التعود على التفاهة وتقديمها باعتبارها أمرًا عاديًا أو خفيفًا أو غير مؤذ ..ومع الوقت خرجت من الهامش إلى قلب المشهد ومن الاستثناء إلى القاعدة وعندما تصبح القاعدة كذلك لا يكون غريبًا أن تبدو صورتنا مرتبكة أمام العالم.
الأخطر من المشهد نفسه هو الاعتياد عليه أن نتقبله أو نبرره أو نعتبر الاعتراض عليه نوعًا من المبالغة. بينما الحقيقة أن الاعتراض هنا ليس مسألة ذوق فقط، بل اعتراض على مسار ثقافي واجتماعي يفرغ المشهد العام من معناه.
نحن لا نحتاج إلى حملات هجوم على أشخاص ولا إلى محاكمات شعبية بقدر ما نحتاج إلى وقفة صادقة مع النفس إلى سؤال بسيط ومباشر من نمنحه الاهتمام؟ ومن نمنحه التأثير؟ ولماذا نترك نماذج العمل والكفاح الحقيقي بعيدًا عن الضوء بينما نضع نماذج الضجيج في الصدارة؟
الأمم لا تقاس فقط بحجم مشروعاتها أو أرقامها بل أيضًا بالرموز التي تضعها في الواجهة والضوء مهما بدا سهلًا هو في الحقيقة أثمن ما نملكه وإذا استمررنا في منحه للتفاهة فلا يجب أن نندهش إن أصبحت هي الصورة الأكثر انتشارًا عنا أمام العالم.