الإيجار القديم على صفيح ساخن.. 85% يسكنون شققًا صغيرة
عاد ملف الإيجار القديم إلى دائرة الضوء مجددًا، بعدما كشفت بيانات رسمية صادرة عن صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري عن تطورات لافتة في أعداد المتقدمين للحصول على وحدات سكنية بديلة، في إطار المساعي الحكومية لمعالجة واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية تعقيدًا وتشابكًا في مصر، والتي تمتد جذورها لعقود طويلة.
فبعد نحو شهرين من فتح باب التسجيل، تجاوز عدد المواطنين الذين سجلوا رغبتهم في الحصول على سكن بديل 50 ألف شخص، وهو رقم يعكس حجم التفاعل مع الطرح الحكومي، لكنه في الوقت ذاته يفتح باب التساؤلات حول قدرة الدولة على الاستجابة، وطبيعة الطلب، والخريطة الجغرافية للمتقدمين، ومدى إقبال المستحقين فعليًا على هذه المبادرة.
50 ألف متقدم خلال شهرين… هل الرقم كبير؟
في هذا السياق، أوضحت مي عبد الحميد، رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، أن عدد المسجلين حتى الآن تخطى حاجز الـ50 ألف مواطن بقليل، من الراغبين في الاستفادة من بدائل سكنية في إطار ملف الإيجار القديم، مؤكدة أن هذا الرقم لا يمثل ضغطًا استثنائيًا على قدرات الدولة.
وردًا على تساؤلات حول ما إذا كانت الوحدات الحكومية المتاحة قادرة على استيعاب هذا العدد من الطلبات، أكدت عبد الحميد أن الرقم لا يُعد كبيرًا مقارنة بما تطرحه الدولة سنويًا، موضحة أن إعلانات الإسكان الاجتماعي وحدها تتضمن في بعض الأحيان طرح ما يصل إلى 150 ألف وحدة سكنية في الإعلان الواحد، بخلاف الطروحات الأخرى المخصصة لمتوسطي وفوق متوسطي الدخل، والتي تطرحها وزارة الإسكان بشكل دوري.
وأضافت أن دور صندوق الإسكان الاجتماعي يتركز على إنشاء المنصة الإلكترونية، وتحليل بيانات المتقدمين، وطرح البدائل السكنية المختلفة وفقًا لمستويات الدخل، ونتائج فحص الاستمارات المقدمة، بما يضمن توجيه كل متقدم إلى الخيار الأنسب لحالته الاجتماعية والاقتصادية.
خريطة المتقدمين: القاهرة الكبرى والإسكندرية في الصدارة
كشفت البيانات الأولية لتحليل الاستمارات عن تركز واضح للمتقدمين في عدد محدود من المحافظات، على رأسها القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، والقليوبية، وهي المحافظات التي تشهد الكتلة الأكبر من وحدات الإيجار القديم، خاصة في المناطق الحضرية القديمة.
في المقابل، سجلت باقي المحافظات أعدادًا محدودة من المتقدمين، وهو ما يعكس تفاوتًا جغرافيًا في انتشار ظاهرة الإيجار القديم، ويرتبط بطبيعة العمران والكثافة السكانية وتاريخ التوسع الحضري في كل محافظة.
وأشارت عبد الحميد إلى أن الجهات المعنية تعمل بالتوازي على توفير قطع الأراضي اللازمة لبناء الوحدات السكنية الجديدة، وذلك بعد الانتهاء من تحليل نتائج الاستمارات، بما يسمح بتحديد حجم الطلب الحقيقي ومناطقه بدقة قبل البدء في التنفيذ.
85% يسكنون وحدات أقل من 100 متر
أحد أبرز المؤشرات التي كشفت عنها رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي تمثل في طبيعة الوحدات التي يقيم فيها المتقدمون حاليًا، حيث أوضحت أن نحو 85% من المسجلين يعيشون في وحدات سكنية تقل مساحتها عن 100 متر مربع.
ويعكس هذا الرقم واقعًا اجتماعيًا مهمًا، يتمثل في أن غالبية المستفيدين المحتملين من ملف الإيجار القديم ينتمون إلى شرائح سكنية محدودة المساحة، وغالبًا ما تعاني من التكدس، وتهالك المباني، وضعف مستوى الخدمات، وهو ما يعزز الحاجة إلى حلول سكنية حديثة توفر مستوى معيشة أفضل، دون الإخلال بالقدرة المالية للمواطنين.
لماذا لم يرتفع الإقبال بعد؟
رغم مرور أكثر من شهرين على فتح باب التسجيل، يرى البعض أن عدد المتقدمين لا يزال أقل من المتوقع، في ظل التقديرات التي تشير إلى وجود ملايين الوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم.
وفي تفسيرها لذلك، أكدت عبد الحميد أن أي مبادرة جديدة تمر عادة بمرحلة من التردد وعدم وضوح الرؤية لدى المواطنين، موضحة أن كثيرين في البداية لا يكونون على دراية كاملة بآليات التقديم، أو يشككون في تفاصيل الطرح، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ نسبي في الإقبال.
وأضافت أن المؤشرات الحالية لا تعكس ضعف الاهتمام، بل على العكس، فهناك تفاعل مستمر، يتمثل في آلاف الاستفسارات اليومية، مشيرة إلى أن مركز خدمة العملاء تلقى نحو 13 ألف مكالمة حتى الآن، وهو رقم ترى أنه طبيعي في هذه المرحلة، ولا يعكس حالة عزوف.
ليس كل مستأجري الإيجار القديم مستهدفين
لفتت رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي إلى نقطة جوهرية في هذا الملف، تتمثل في أن ليس جميع شاغلي وحدات الإيجار القديم سيقبلون على التقديم، أو تنطبق عليهم شروط الاستفادة من الوحدات البديلة.
فبعض المستأجرين يمتلكون وحدات سكنية أخرى، أو لديهم شقق مغلقة، أو لا تنطبق عليهم معايير الاستحقاق، وهو ما يقلص العدد الفعلي للمستفيدين المحتملين مقارنة بالأرقام المتداولة حول حجم الظاهرة.
كما أشارت إلى أن نمط “الانتظار حتى اللحظات الأخيرة” هو سلوك معتاد في إعلانات الإسكان الاجتماعي، حيث يتأخر كثير من المواطنين في التقديم، ثم يطالبون بمد فترة التسجيل، وهو ما تتوقع تكراره في هذا الطرح أيضًا.