رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

جامعة القاهرة.. أكثر من قرن في صناعة العلم والنهضة

جامعة القاهرة
جامعة القاهرة

في كل عام، تعود ذكرى افتتاح جامعة القاهرة لتعيد إلى الواجهة واحدة من أهم التجارب التعليمية والوطنية في تاريخ مصر والعالم العربي. ليست الجامعة مجرد مؤسسة أكاديمية، بل حكاية وطن، ومسيرة تنوير، وتجسيد عملي لحلم طالما راود رواد النهضة المصرية ببناء صرح علمي حديث قادر على إنتاج المعرفة وصناعة القيادات وتشكيل الوعي الجمعي فمنذ افتتاحها عام 1908 تحت اسم “الجامعة المصرية”، وحتى تحولها اليوم إلى مؤسسة تعليمية وبحثية ذات حضور عالمي، ظلت جامعة القاهرة شاهدة على تحولات المجتمع المصري، ومشاركة فاعلة في صياغة مستقبله.

الجذور الأولى للفكرة: من محمد علي إلى الحلم الجامع

لم تولد فكرة جامعة القاهرة من فراغ، بل جاءت تتويجًا لمسار طويل من التحديث بدأ مع مشروع محمد علي لبناء دولة حديثة، حين أنشأ مؤسسات تعليمية متخصصة مثل مدرسة المهندسخانة عام 1816، والمدرسة الطبية عام 1827 ومع توسع التعليم الحديث وتعدد المدارس العليا، برزت الحاجة إلى كيان جامع يضم مختلف فروع المعرفة، ويؤسس لنهضة فكرية شاملة تتجاوز حدود التخصصات الضيقة.

من الحلم إلى الواقع (1908).. جامعة في مواجهة الاحتلال

مع مطلع القرن العشرين، تبلورت فكرة إنشاء جامعة وطنية حديثة على أيدي رموز الفكر والإصلاح والحركة الوطنية، في مقدمتهم الإمام محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول كان الهدف واضحًا: إتاحة العلم الحديث لأبناء البلاد، وبناء نخبة واعية قادرة على قيادة مشروع النهضة والاستقلال.

ورغم المعارضة الشديدة من سلطات الاحتلال البريطاني، وعلى رأسها اللورد كرومر الذي أدرك خطورة تكوين نخبة مثقفة واعية، نجحت الجهود في افتتاح “الجامعة المصرية” كجامعة أهلية في 21 ديسمبر 1908، خلال احتفال رسمي أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين، بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني وكبار رجال الدولة والأعيان

تعليم بلا جدران: الدراسة قبل الحرم الجامعي

بدأت الدراسة في الجامعة مساء يوم الافتتاح على هيئة محاضرات عامة، وفي ظل غياب مقر دائم، تنقلت المحاضرات بين قاعات مختلفة كان يُعلن عنها في الصحف اليومية، مثل قاعة مجلس شورى القوانين، ونادي المدارس العليا، ودار الجريدة. لاحقًا، استقرت الجامعة في سراي الخواجة نستور جناكليس، وهو المبنى الذي تشغله حاليًا الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في مرحلة جسدت إصرار الفكرة رغم محدودية الإمكانات.

البدايات الصعبة.. الحرب العالمية والتحديات المالية

فرضت الحرب العالمية الأولى أعباء مالية كبيرة على الجامعة، ما اضطرها للانتقال إلى سراي محمد صدقي بشارع الفلكي لتقليل النفقات ومع ذلك، لم تتراجع الرسالة العلمية، بل اتجهت الجامعة إلى بناء كوادر أكاديمية قوية عبر إيفاد طلابها المتفوقين إلى جامعات أوروبا للحصول على درجات الدكتوراه والعودة للتدريس، ومن بينهم طه حسين، ومنصور فهمي، وأحمد ضيف. كما بدأت في تأسيس مكتبتها الأولى اعتمادًا على مجموعات نادرة من الكتب المهداة من داخل مصر وخارجها.

نحو جامعة حكومية (1917–1925).. الاعتراف الرسمي

مع تنامي الدور العلمي والوطني للجامعة، طُرحت فكرة تحويلها إلى جامعة حكومية عام 1917. وفي 12 مارس 1923، تم ضم مدرستي الحقوق والطب إلى الجامعة، ثم تقرر دمج الجامعة الأهلية في الكيان الجديد، لتكون كلية الآداب نواته الأساسية.

وفي 11 مارس 1925، صدر المرسوم الرسمي بإنشاء الجامعة الحكومية تحت اسم “الجامعة المصرية”، وبدأت بكليات الآداب والعلوم والطب والحقوق، قبل أن تنضم مدرسة الصيدلة لكلية الطب في العام نفسه.

الحرم الجامعي وبصمة الأميرة فاطمة

عام 1928، شرعت الجامعة في إنشاء مقارها الدائمة بموقعها الحالي، وهو الموقع الذي حصلت عليه من الحكومة تعويضًا عن الأرض التي تبرعت بها الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل دعمًا للمشروع العلمي الوطني. ومنذ ذلك الحين، بدأ الحرم الجامعي يتشكل بوصفه أحد أبرز معالم القاهرة التعليمية.

من “فؤاد الأول” إلى “جامعة القاهرة”.. هوية تتجدد

شهدت الجامعة توسعات هيكلية كبرى في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ صدر القانون رقم 91 لسنة 1935 بضم مدارس الهندسة والزراعة والتجارة العليا والطب البيطري، ثم أُلحق معهد الأحياء المائية بها وفي عام 1940، تغير اسمها إلى “جامعة فؤاد الأول”، قبل أن تستعيد اسمها الوطني “جامعة القاهرة” في سبتمبر 1953 عقب ثورة يوليو، لتدخل مرحلة جديدة من التوسع والتحديث.

قبة الجامعة.. أيقونة معمارية وثقافية

افتتحت قاعة الاحتفالات الكبرى عام 1935، لتصبح أحد أبرز رموز الجامعة تمتد على مساحة 3160 مترًا مربعًا، وتعلوها قبة نصف كروية بارتفاع 52 مترًا، تسمح نوافذها بدخول الضوء الطبيعي. وتضم القاعة صالة رئيسية ودورين علويين بسعة تقارب 4000 متفرج، ومجهزة بأنظمة إذاعة وترجمة فورية لسبع لغات، ما جعلها مركزًا للفعاليات الثقافية والفكرية الكبرى.

التوسع الأكاديمي.. جامعة متعددة التخصصات

منذ خمسينيات القرن الماضي، شهدت الجامعة طفرة في إنشاء الكليات والمعاهد، من بينها كليات الصيدلة وطب الفم والأسنان (1955)، والاقتصاد والعلوم السياسية (1960)، والإعلام والآثار (1970)، والحاسبات والمعلومات (1996)، إلى جانب معاهد بحثية متخصصة مثل المعهد القومي للأورام ومعهد الدراسات الإفريقية ومعهد علوم الليزر، بما رسخ مكانتها كجامعة شاملة متعددة التخصصات

جامعة القاهرة اليوم.. أرقام ودلالات

تضم الجامعة حاليًا 29 كلية ومعهدًا تغطي مختلف مجالات المعرفة، ويبلغ عدد طلابها نحو 207,800 طالب، من بينهم أكثر من 30,400 طالب وافد من مختلف الجنسيات كما تمتلك منظومة مكتبات متطورة، تتصدرها المكتبة المركزية التي تضم مصادر ورقية وإلكترونية ضخمة تدعم العملية التعليمية والبحثية.

ويقود الجامعة حاليًا الدكتور محمد سامي عبدالصادق، الذي أطلق استراتيجية طموحة للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى ربط البحث العلمي بالتنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030.

وفي عام 2025، صدر القرار الجمهوري بإنشاء جامعة القاهرة الأهلية بمدينة السادس من أكتوبر، لتبدأ الدراسة بها في العام الجامعي 2025/2026 عبر 14 كلية و22 برنامجًا أكاديميًا صُممت وفق أحدث المعايير الدولية، في تخصصات حيوية مثل الطب والهندسة والذكاء الاصطناعي والاقتصاد والإعلام، دعمًا لتوسيع مظلة التعليم الجامعي وتعزيز التنمية الوطنية.

وحققت جامعة القاهرة تقدمًا لافتًا في التصنيفات العالمية خلال الفترة من 2021 إلى 2025، إذ صعدت في تصنيف QS إلى المركز 350 عالميًا، وحافظت على وجودها ضمن أفضل 500 جامعة في تصنيف شنغهاي، وتصدرت الجامعات المصرية في تصنيفات ويبومتركس ولايدن، كما احتلت المركز الثامن عربيًا في تصنيف التايمز العربي، بما يعكس قوة أدائها الأكاديمي والبحثي.

خريجون صنعوا التاريخ

أنجبت الجامعة رموزًا تركت بصمتها في مصر والعالم، من بينهم رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، والأديب العالمي نجيب محفوظ الحاصل على نوبل، والجراح العالمي الدكتور مجدي يعقوب، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في تجسيد حي لدورها في صناعة القادة وصياغة التاريخ.

تم نسخ الرابط