الضفة الغربية تحت الاقتحام الشامل.. اعتقالات واسعة وتصاعد هجمات المستوطنين
مع ساعات الفجر الأولى من يوم السبت، استيقظت مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية المحتلة على وقع أصوات الآليات العسكرية الإسرائيلية، في مشهد بات يتكرر بوتيرة متسارعة، لكنه هذه المرة جاء أكثر اتساعًا وتنظيمًا حملة اقتحامات واسعة نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، شملت مناطق متعددة من شمال الضفة إلى وسطها وشرقها، ترافق معها اعتقالات ومداهمات للمنازل، وسط حالة من التوتر والقلق في أوساط السكان.
هذه العمليات لا يمكن قراءتها كحدث أمني عابر، بل تأتي ضمن سياق تصعيد شامل تشهده الضفة الغربية منذ أشهر، تزامنًا مع حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، وما رافقها من تشديد قبضة الاحتلال على الأرض الفلسطينية، ومحاولة فرض وقائع جديدة بالقوة العسكرية والاستيطانية.
اقتحام البيرة وطولكرم: مداهمات واعتقالات فجراً
في محافظة رام الله والبيرة، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة البيرة، حيث انتشرت الدوريات العسكرية في عدد من الأحياء، وداهم الجنود منازل المواطنين، وسط عمليات تفتيش دقيقة واستجوابات ميدانية.
وأفادت مصادر محلية بأن الاقتحام تخلله اعتقال عدد من المواطنين، دون أن تُعرف حتى اللحظة الحصيلة النهائية للمعتقلين، في ظل تعمد قوات الاحتلال منع تداول المعلومات وفرض طوق أمني خلال العملية.
وفي شمال الضفة، شهدت مدينة طولكرم اقتحامًا متزامنًا، حيث توغلت الآليات العسكرية في شوارع المدينة، وداهم الجنود عددًا من المنازل، ونفذوا عمليات اعتقال بحق مواطنين، في مشهد أعاد إلى الأذهان سياسة “الاعتقالات الليلية” التي يعتمدها الاحتلال كأداة للضغط الجماعي وبث الخوف في صفوف السكان.
مخيم الفارعة وطمون: اقتحام بلا اعتقالات ورسائل بالقوة
امتد التصعيد إلى محافظة طوباس، حيث اقتحمت قوات الاحتلال مخيم الفارعة جنوب المدينة، إلى جانب بلدة طمون الواقعة جنوب شرق طوباس. ووفقًا للمصادر المحلية، داهم الجنود عددًا من منازل المواطنين، وأجروا عمليات تفتيش واسعة، دون أن يتم الإبلاغ عن تنفيذ اعتقالات.
ورغم غياب الاعتقالات في هاتين المنطقتين، إلا أن الاقتحام بحد ذاته يحمل رسائل واضحة، تتمثل في فرض الهيمنة العسكرية، واختبار ردود الفعل الشعبية، وإبقاء حالة التوتر مشتعلة، خصوصًا في المناطق التي تشهد نشاطًا شعبيًا ومقاومًا متصاعدًا.
أريحا تحت الاقتحام الليلي.. غاز مسيل للدموع وتوغلات عسكرية
وفي الأغوار، شهدت مدينة أريحا اقتحامًا واسعًا خلال ساعات الليل، حيث توغلت آليات الاحتلال في مخيم عقبة جبر وعدة أحياء داخل المدينة وانتشرت القوات في شوارع رئيسية، من بينها شارع عمان وشارع المغطس، ما تسبب بحالة من الذعر بين السكان، خصوصًا مع إطلاق قنابل الغاز السام المسيل للدموع.
ورغم عدم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو تنفيذ مداهمات للمنازل خلال هذا الاقتحام، إلا أن استخدام الغاز وانتشار الآليات العسكرية في عمق المدينة يعكس سياسة الاستعراض القسري للقوة، ومحاولة إخضاع المناطق الفلسطينية عبر الضغط النفسي والأمني.
شرق طولكرم وشمال نابلس.. رقعة الاقتحامات تتسع
لم تقتصر حملة الاقتحامات على المدن الكبرى، بل طالت بلدات وقرى في مناطق مختلفة، حيث اقتحمت قوات الاحتلال بلدتي كفر لبد وعنبتا شرق مدينة طولكرم، إلى جانب بلدة برقة شمال غرب مدينة نابلس.
وتُعد هذه البلدات من المناطق التي شهدت خلال الفترة الماضية فعاليات شعبية ومواجهات متكررة مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ما يجعلها ضمن دائرة الاستهداف الدائم، في محاولة لكبح أي حراك شعبي أو مقاوم.
تصاعد العمل المقاوم.. أرقام تعكس حجم المواجهة
في مقابل هذا التصعيد العسكري، أظهرت معطيات مركز المعلومات الفلسطيني (معطى) أن الضفة الغربية المحتلة والقدس شهدتا 73 عملًا مقاومًا خلال الأيام الستة الماضية فقط. وتنوعت هذه الأعمال بين مواجهات شعبية، وإلقاء حجارة، وعمليات تصدٍ لاقتحامات الاحتلال والمستوطنين، ما يعكس حالة الغليان الشعبي المستمرة في مختلف المناطق.
هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن سياسة القمع والاقتحامات لم تفلح في إخماد جذوة المقاومة، بل على العكس، أسهمت في توسيع رقعة الاشتباك ورفع منسوب الغضب الشعبي.
هجمات المستوطنين: عنف منظم تحت حماية الجيش
بالتوازي مع اقتحامات الجيش، يواصل المستوطنون اعتداءاتهم على القرى والتجمعات الفلسطينية، في إطار ما بات يُعرف بـ“الاستيطان الرعوي”، وهو نمط استيطاني يعتمد على السيطرة التدريجية على الأراضي عبر الرعي القسري والعنف المباشر.
وكشفت مصادر صحفية إسرائيلية أن 110 مستوطنين أصيبوا منذ بداية العام الجاري، خلال مواجهات مع الفلسطينيين أثناء التصدي لاعتداءات المستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية، ما يعكس حجم الاحتكاك المتصاعد بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين.
وفي هذا السياق، هاجم مستوطنون مجددًا تجمع الحثرورة البدوي قرب الخان الأحمر شرق مدينة القدس المحتلة.
حصيلة ثقيلة منذ بدء حرب غزة: الضفة تدفع الثمن
منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في 8 أكتوبر 2023، دفعت الضفة الغربية ثمنًا باهظًا لهذا التصعيد الشامل فقد استشهد 1092 فلسطينيًا برصاص جيش الاحتلال والمستوطنين، فيما أُصيب نحو 11 ألف مواطن بجروح متفاوتة، واعتُقل أكثر من 21 ألف فلسطيني، في واحدة من أوسع حملات الاعتقال التي تشهدها الضفة منذ سنوات.
هذه الأرقام تعكس حجم الاستهداف الممنهج للضفة الغربية، وتحولها إلى ساحة مفتوحة للعمليات العسكرية والاستيطانية، في ظل صمت دولي وعجز واضح عن وقف الانتهاكات المتصاعدة.