عديّة يس.. هل هي عبادة مهجورة أم بدعة خطيرة؟
لا تزال «عديّة يس» واحدة من أكثر الممارسات الدينية انتشارًا في المجتمعات الإسلامية، رغم الجدل الواسع حول أصلها، وحكم الشرع فيها، ومدى ارتباطها بالسنة النبوية ويظن كثيرون أن قراءة سورة يس بعددٍ معيّن بقصد دفع الظلم أو قضاء الحوائج أمر مأثور أو ثابت، بينما يرى علماء الأزهر والإفتاء أن ذلك لا أصل له
سورة يس.. مكانة خاصة في الوجدان الإسلامي
ارتبطت سورة يس في الوعي العام بقدر كبير من البركة والسكينة، حتى أطلق عليها كثيرون لقب «قلب القرآن». ويؤمن كثير من المسلمين بأن المداومة على قراءتها سبب في تفريج الكرب وتيسير الأمور. وهذه المكانة المستقرة في الثقافة الدينية أسهمت في ظهور ممارسات غير مأثورة، من بينها ما يُعرف بـ«عديّة يس»، والتي تقوم على قراءة السورة بعدد محدد مرات على نية معينة أو على شخص ظالم.
إلا أن سؤالًا كبيرًا لا يزال مطروحًا: هل لهذه الممارسة أصل صحيح؟
ماذا يقول علماء الأزهر عن “عديّة يس”؟
الدكتور رمضان عبد الرازق: لا أصل لها في الشرع
في لقاء تلفزيوني سابق، أكد الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، أنه لا وجود في الشرع لما يسمى عديّة يس، وأن نسبتها للسنة النبوية غير صحيح.
وأضاف أن استخدامها للإضرار بالآخرين يناقض مقاصد القرآن، الذي نزل رحمة للعالمين، مبينًا أن القراءة بقصد الأذى لا تمت للدين بصلة.
وأشار عبد الرازق إلى أن الثابت فقط هو ما ورد في بعض السير من أن النبي ﷺ قرأ سورة يس عند خروجه للهجرة، لكن دون أي إشارة لما يسمى «عديّة» أو تحديد عدد قراءته.
دار الإفتاء المصرية.. تأكيد بعدم صحة “عديّة يس”
أمين الفتوى: دعاء المظلوم مستجاب.. لا حاجة للابتداع
أكد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن ما يعرف بـ«عديّة يس» لا أصل له في الدين، ولم يرد نص صحيح يدل عليه.
وأوضح أن انتشارها بين الناس سببه العادات الشعبية، وليس النصوص الشرعية.
وشدد على أن الإسلام منح المظلوم سلاحًا أقوى من أي “عديّة”، وهو الدعاء على الظالم أو تفويض الأمر لله، مستشهدًا بقول «حسبنا الله ونعم الوكيل».
الدكتور علي جمعة.. قراءة يس مشروعة للخير لا للضرر
يس لجلب الرحمة وتيسير الأمور.. وليس للإيذاء
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن قراءة سورة يس بقصد الخير كجلب الشفاء أو تفريج الكرب أمر مشروع ومحبوب، لكن استخدامها للإضرار بالناس أمر مرفوض وغير جائز.
وأوضح أن «عديّة يس» لا تُدرّس في الأزهر، ولم يسمع بها من علماء عصره، مؤكدًا أن عبارة «يس لما قُرِئت له» تعني أن المسلم يمكنه قراءة السورة ثم الدعاء بعدها بما يناسب حاجته، دون تحديد أعداد أو صيغ مبتدعة.
ورأى جمعة أن الأصل هو العفو والصفح، مستشهدًا بقوله تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ».
حكم الشرع في “عديّة يس”.. خلاصة أقوال العلماء
من خلال تتبع تصريحات الأزهر وفتاوى دار الإفتاء، يمكن تلخيص الموقف الشرعي في النقاط التالية:
1. لا أصل في السنة ولا في كتب الفقه المعتبرة لعديّة يس.
2. لا يجوز استخدامها بقصد الإضرار بالناس أو الانتقام منهم.
3. يجوز قراءة سورة يس بنية الخير، لأن فضلها ثابت بعموم النصوص.
4. يجوز قراءة السورة ثم الدعاء بعدها دون تحديد أعداد لازمة.
5. البدع الإضافية مثل تحديد الأعداد أو الصيغ لا يقرها الشرع.
قراءة سورة يس للميت.. بين النصوص والترجيحات الفقهية
حديث “اقرؤوا يس على موتاكم”.. محل اتفاق عند كثير من العلماء
كشفت دار الإفتاء تفاصيل موسعة حول فضل قراءة سورة يس للميت، مستندةً إلى حديث النبي ﷺ:
«اقْرَؤُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ»
رواه أحمد، أبو داود، ابن ماجه، والبيهقي.
وقد تناول العلماء هذا الحديث بتفسيرات متعددة:
الإمام القرطبي رجّح أن القراءة تكون عند المحتضر أو عند قبره.
السيوطي أيد القول نفسه، مؤكدًا أن جمهور العلماء أخذ بهذا الاتجاه.
ابن حجر الهيتمي رأى أن القراءة مشروعة في الحالين: عند الاحتضار وعند القبر.
فضل القراءة للميت
في أحاديث سابقة، أكد الدكتور علي جمعة أن قراءة سورة يس للميت تنزل عليه الرحمة والمغفرة، لما للسورة من فضل عظيم، مشيرًا إلى أن بعض سور القرآن لها فضيلة تزيد على غيرها ترغيبًا في قراءتها.
آداب قراءة القرآن على الموتى
وأشار جمعة إلى ضرورة:
الالتزام بهدي التلاوة الصحيحة
مراعاة مخارج الحروف
تلاوة مرتّلة كما أمر الله تعالى:
«وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» (المزمل: 4)
لماذا تنتشر “عديّة يس” رغم نفي العلماء؟
يرى باحثون أن انتشار “عديّة يس” يعود لعدة أسباب:
الحاجة النفسية للتعلّق بأدعية وأوراد لمواجهة الظلم.
ضعف الوعي بحدود السنة وما هو ثابت وما هو محدث.
الخلط الشائع بين فضل يس العام وبين ممارسات مبتدعة لا سند لها.
دور الحكايات الشعبية المتوارثة بين الأجيال.
بين البدعة والعبادة.. كيف يميز المسلم؟
يؤكد علماء الأزهر أن المعيار بسيط وواضح:
كل عبادة لها أصل في الشرع فهي مشروعة.
كل عبادة اخترعها الناس دون دليل فهي بدعة.
كل قراءة للقرآن بقصد الخير جائزة.
كل ممارسة يُحدَّد فيها عدد أو صيغة بلا دليل فهي بدعة إضافية.