رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

تذاكر تذاكر.. نهاية زمن الكمسري بالنقل العام.. التذكرة الإلكترونية تطوير أم شطب وظائف عتيقة؟

أتوبيسات النقل العام
أتوبيسات النقل العام

على مدى عشرات السنين، ظل «الكمسري» جزءاً أصيلاً من مشهد النقل العام في مصر، يتسلّل صوته بين ازدحام الركاب، ويجوب الممرات الضيقة للحافلات حاملاً صندوقه الخشبي أو كشكوله الملوّن مردداً عبارته الشهيرة: «تذاكر يا حضرات… ورق ورق».

لم يكن مجرد مُحصل للأجرة، بل رفيق طريق ودليل مسافر، ووسيط اجتماعي يضبط إيقاع الرحلة اليومية للملايين واليوم، ومع إعلان البدء في التشغيل التجريبي لمنظومة الدفع الإلكتروني تمهيداً لإلغاء التذاكر الورقية، يبدو أن هذه المهنة تتهيأ لمغادرة المسرح تاركة خلفها إرثاً عميقاً في ذاكرة الأجيال.

ورق ورق… تذاكر تذاكر

في حافلات القاهرة الكبرى، كان المشهد يتكرر صباح كل يوم: محصل يقف عند الباب ينادي على وجهة الرحلة يرفع صوته بالتحذير أو الإرشاد، يُطلق «صرخته» للسائق عند الضرورة وينبّه الراكب إلى محطته قبل أن تفوته.

ورغم كون هذه المهام جزءاً من عمله الرسمي إلا أن الدور الإنساني كان هو الأبرز: يبتسم للمجهدين من عناء الطريق يساعد عجوزاً على الجلوس، يحمل أكياس التسوق عن سيدة مسنّة، أو يداعب طفلاً يبكي ليهدئ روعه.

كان الكمسري دون أن يدري، «عمود توازن» داخل الحافلة، يلطّف التوتر ويفضّ الاشتباكات قبل أن تبدأ، ويعيد النظام كلما اختلّ بفعل الزحام.

منظومة الدفع الإلكتروني لحظة التحوّل الكبرى

أعلنت هيئة النقل العام بالقاهرة بدء التشغيل التجريبي لنظام الدفع عبر «الكارت الذكي» داخل الحافلات في خطوة تهدف لإلغاء التعامل بالتذكرة الورقية بحلول عام 2026 وتقليل التدخل البشري وتحديد قيمة الرحلة وفق عدد المحطات بدلاً من السعر الموحد.

كيف تعمل المنظومة الجديدة؟

كارت ذكي مسبق الدفع متوفر في المحطات النهائية ومنافذ الهيئة.

ماكينات إلكترونية مثبتة عند الباب الأمامي لتمرير البطاقة عند الصعود.

تسعير مرن يعتمد على المسافة، بما يحقق عدالة أكبر في احتساب التكلفة.

حل نهائي لمشكلة «الفكة» المزمنة داخل الحافلات.

ربط إلكتروني كامل بين عدد المحطات وحركة السائق والركاب.


تخدم الهيئة نحو مليون راكب يومياً عبر 173 خطاً و2500 حافلة في القاهرة الكبرى، ما يجعل التحول الرقمي خطوة ضخمة ستغير شكل النقل العام بالكامل.

«المحطة الأخيرة» للكمسارية.. بطالة أم إعادة توظيف؟

مع إعلان إلغاء دور الكمسري التقليدي يواجه آلاف العاملين في هذه المهنة حالة من القلق بشأن مستقبل وظائفهم.

يقول أستاذ الإدارة المحلية حمدي عرفة إن هذه الفئة العمرية، والتي تتراوح بين 45 و60 عاماً ليست سهلة الدمج في وظائف جديدة، ما يجعل إعادة التأهيل أمراً شاقاً، ويهدد بتحويلهم إلى ضحايا للتطوير التكنولوجي.

ويصف عرفة الاتجاه لتوظيفهم كسائقين بأنه غير عملي وقد «يعرّض سلامة الركاب للخطر»، مقترحاً بدلاً من ذلك منحهم وظائف إشرافية أو رقابية ضمن المنظومة الحديثة.

رد الهيئة: لن نُقصي أحداً

من جانبه، يؤكد رئيس هيئة النقل العام، عصام الشيخ، أن خطة التطوير تشمل:

تشغيل 300 حافلة إلكترونية في المرحلة الأولى من أصل 1800 مستهدفة.

نقل الكمسارية ممن لديهم رخص قيادة إلى وظيفة سائق.

تدريب غير المؤهلين على قيادة الحافلات.

تخصيص وظائف إدارية أو فنية للراغبين في عدم التحويل.

وتصر الهيئة على أن «أحداً لن يخرج من الخدمة»، وأن التحول نحو الرقمنة لن يعني الاستغناء عن العمالة، بل إعادة توزيعها.

الكمسري… ذاكرة اجتماعية تطوي نفسها

إلغاء التذكرة الورقية لا يعني فقط نهاية وسيلة دفع تقليدية، بل يمثل  وفق أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة فايز الخولي  طي صفحة كاملة من الذاكرة الجماعية.

يقول الخولي إن الكمسري صوت الحافلة الأخلاقي، فهو يذكّر الشباب بإخلاء المقاعد لكبار السن، ويفضّ الاشتباكات قبل أن تبدأ، ويضبط الإيقاع داخل الحافلة في ساعات الذروة.

تم نسخ الرابط