رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

شوقي علام يؤكد: تاريخ طويل من الإفتاء عزز قيم المواطنة في مصر

صورة من اللقاء
صورة من اللقاء

في احتفالية مهيبة نظّمتها دار الإفتاء المصرية بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيسها، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، كلمة عكست عمق الدور التاريخي للمؤسسة الإفتائية في تشكيل هوية المجتمع المصري وإرساء دعائم الاستقرار الفكري والشرعي، ليس داخل البلاد فحسب، بل في مختلف أنحاء العالم.

وجاءت كلمة الشيخ شوقي علام، بمثابة قراءة تحليلية لمسيرة طويلة من العطاء، وُضعت خلالها أسسٌ علمية ومنهجية في الفتوى، فصنعت ذاكرة مؤسسية متينة أصبحت إحدى ركائز الوعي الديني المستنير في مصر.

دار الإفتاء.. تاريخ يسطّر جهودًا لبناء المجتمع المصري

استهل الدكتور شوقي علام كلمته بالتأكيد على أن تاريخ دار الإفتاء المصرية يحمل في صفحاته كل جهد كريم بذله علماء الدار عبر أكثر من قرن من الزمن. وأوضح أن هذه الجهود لم تكن يومًا فردية، بل كانت لبِنات متراكمة أسهمت في بناء صرح وطني وعلمي راسخ داخل المجتمع المصري.

وأشار إلى أن كل فتوى، وكل رأي شرعي، وكل موقف علمي أصدرته الدار كان جزءًا من مشروع حضاري أكبر يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، وترسيخ القيم التي تحمي المجتمع من الاضطراب الفكري والانقسام.

دورٌ تجاوز حدود الوطن.. الفتوى المصرية إلى العالم

أكد مفتي الجمهورية السابق أن جهود دار الإفتاء لم تقتصر على حدود الجغرافيا المصرية، بل امتدت إلى العالم كله. وأشار إلى أن أرشيف الدار يحتفظ بمراسلات تاريخية من دول عديدة كانت تتوجّه إلى علماء مصر، مثل الشيخ محمد عبده والشيخ بخيت المطيعي، طلبًا للرأي الشرعي.

وفي توثيق لمسيرة التطور المؤسسي، أوضح أن عام 2015 كان علامة فارقة في تاريخ الفتوى العالمية، حين بادرت دار الإفتاء بإنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، لتصبح مصر بذلك مركزًا دوليًّا لصناعة الوعي الإفتائي، وتنسيق الجهود بين المؤسسات الشرعية في مختلف البلدان.

الفتوى واستقرار المجتمع.. مراعاة الزمان والمكان والمواطنة

توقف الدكتور شوقي علام عند المحور الأهم في تاريخ دار الإفتاء، وهو:
كيف ساهمت الفتوى في حفظ استقرار المجتمع المصري؟

وأوضح أن فتاوى الدار عبر تاريخها الطويل قامت على منهجية دقيقة تراعي:

الزمان والمكان واختلاف الظروف الاجتماعية.

أحوال الناس واحتياجاتهم الواقعية.

مبدأ المواطنة وترسيخ قيم التعايش بين أبناء الوطن.

قوانين الدولة باعتبارها رافعة للخلاف الفقهي، وتحقيقًا لمصلحة المجتمع.


وأشار إلى أن هذا المنهج كان سببًا في أن يبقى المجتمع المصري  على مدار عقود  مستقرًا، بعيدًا عن الفتاوى المتشددة والمنزلقات الفكرية التي تضرب المجتمعات التي ينفصل فيها الدين عن مؤسساته الشرعية الراسخة.

علاقة الفتوى بالمتخصصين.. العلم أساس الحكم الشرعي

شدد الدكتور شوقي علام في كلمته على أن دار الإفتاء لم تُصدر فتواها يومًا بمعزل عن أهل التخصص، سواء في المجالات: الطبية والاقتصادية والاجتماعية أو البنكية، موضحًا أن الفتوى المنضبطة لا بد أن تُبنى على فهم دقيق للواقع، وأن هذا الفهم لا يتحقق إلا بالتعاون الكامل مع الخبراء والمتخصصين الذين يملكون المعطيات العلمية الدقيقة، ثم يأتي دور الفقيه في تنزيل الأحكام الشرعية عليها.

وأكد أن هذا النهج هو الذي جعل الدار قادرة على تقديم فتاوى تستجيب لروح العصر، وتواجه التحديات الجديدة دون تخوف أو تردد، وفي الوقت نفسه دون التنازل عن ثوابت الشريعة.

احتفال بعراقة 130 عامًا.. حضور يليق بالمكانة

شهدت الاحتفالية حضورًا نخبوياً يعكس مكانة دار الإفتاء في الحياة الدينية والفكرية المصرية. فقد امتلأت قاعة الاحتفالات بمقر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بنخبة من الوزراء، وقيادات الأزهر الشريف والأوقاف، ورجال الفكر والثقافة والإعلام، إضافة إلى أسر المفتين الراحلين الذين أسهموا في تأسيس مسيرة الدار عبر عشرات السنين.

وجاءت المناسبة بمثابة احتفاء بتاريخ طويل من الاجتهاد، وتكريمًا لجيل من العلماء رسخوا قواعد الفتوى، وقدموا نموذجًا فريدًا للعقل الشرعي المصري الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

تم نسخ الرابط