رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

دار الإفتاء: 130 عامًا في قلب الوسطية ومواجهة التطرف

صورة من اللقاء
صورة من اللقاء

في احتفالية رسمية مهيبة احتضنتها القاهرة، وبحضور كوكبة من كبار العلماء والوزراء والشخصيات الدينية والفكرية والإعلامية، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمة شاملة رسمت ملامح 130 عامًا من العطاء العلمي والوطني الذي قدمته دار الإفتاء المصرية منذ تأسيسها عام 1895 وحتى اليوم.

الكلمة، التي جاءت في افتتاح الاحتفال، لم تكن مجرد استعراض لتاريخ مؤسسة وطنية راسخة، بل كانت وثيقة فكرية ومنهجية تؤكد الدور المتصاعد الذي تقوم به الدار في نشر الفكر الوسطي، وتصحيح المفاهيم، وحماية الهوية الدينية والوطنية، ومواجهة التطرف، فضلًا عن ترسيخ مكانة مصر كقلب نابض للفتوى الرشيدة في العالم الإسلامي.

الإفتاء عبر التاريخ: من زمن النبوة إلى تأسيس المؤسسة الحديثة

منبر الفتوى الأول: النبي الكريم وصحبه والتابعون

استهل فضيلة المفتي كلمته باستحضار البداية النبوية لمسيرة الفتوى، حيث كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أول من تولى هذا المقام الجليل، مفتيًا بوحي الله، وبكلمات جامعة تمثل قمة الكمال التشريعي ثم انتقلت الأمانة للصحابة وآل البيت الكرام الذين امتازوا بسعة العلم وقوة الفهم وحسن البيان، ومن بعدهم التابعون الذين تلقوا الإجازة من كبار الصحابة، ومنهم سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وغيرهما من أعلام الفقه الإسلامي.

المذاهب الثمانية وتكوين المدارس الفقهية

وأوضح فضيلته أن تطور الفتوى مرّ بمحطات مهمة، كان أبرزها استقرار المذاهب الفقهية الثمانية:

الأربعة السنية: الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي.

المذاهب الشيعية: الإمامي والزيدي.

المذهب الإباضي.

الظاهري.


هذه المدارس قامت على أصول وضوابط منهجية، وتولى أئمتها مهمة الإفتاء عبر العصور، حتى وصل العصر الحديث ليشكل نقطة تحول مهمة بنشأة المؤسسات الرسمية للإفتاء، وكانت دار الإفتاء المصرية في طليعتها.

دار الإفتاء المصرية.. 130 عامًا من الريادة: تراث فقهي وطني ودولي

كنز فقهي ومعرفي للباحثين شرقًا وغربًا

أكد مفتي الجمهورية أن التراث الإفتائي الذي راكمته الدار عبر أكثر من قرن يمثل “كنزًا فقهيًّا ومعرفيًا” ينهل منه الباحثون في مختلف أنحاء العالم، لما يتسم به من توازن بين النص الشرعي ومقتضيات الواقع، في إطار منهج يقوم على تحقيق مقاصد الشريعة.

نخبة من المفتين.. ومسيرة ممتدة من الأصالة

وأشار فضيلته إلى أن المفتين الذين تولوا منصب الإفتاء في مصر عبر تاريخ الدار كانوا “نخبة مختارة وصفوة مجتباة من الله”، وقد حملوا أمانة الفتوى بوعي ومسؤولية، وساهموا في استقرار المجتمع ونشر قيم التعايش، كما كان لهم دور بارز في التصدي للتطرف ومحاولات العبث بالهوية المصرية.

الأصالة والمعاصرة.. معادلة دار الإفتاء المتوازنة

وأوضح أن مسيرة الدار طوال 130 عامًا لم تكن مجرد سجل تاريخي، بل تجربة جمعت بين ثبات الأصول وتغير الواقع، فالتجديد عند دار الإفتاء ليس تغييرًا للشكل، بل تحقيق لمقاصد الشريعة بروح عصرية واعية.

مواجهة التطرف وحماية الهوية: معركة ممتدة

حائط صد فكري ضد التشدد والانفلات

أكد فضيلة المفتي أن دار الإفتاء لم تقف يومًا على الحياد في مواجهة الأفكار المنحرفة، بل واجهت التطرف الديني والفكر اللاديني معًا، دفاعًا عن الهوية الوطنية التي تجمع بين عمق الانتماء الديني وعمق الانتماء لمصر وتاريخها.

الفتوى الوسطية لبناء المجتمع

شدد على أن الدار كانت وما زالت شريكًا للدولة المصرية في حفظ الاستقرار المجتمعي، من خلال إبراز الفتوى الوسطية باعتبارها أداة لبناء الوعي وتنمية المجتمعات، وليس مجرد بيان لحكم شرعي.

الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء: قاطرة دولية لمواجهة الفتاوى المنحرفة

من القاهرة إلى العالم: مؤسسة دولية لمكافحة التشدد

أوضح المفتي أن إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء عام 2015 مثل نقلة نوعية جعلت من القاهرة مركزًا عالميًا لنشر منهج الإفتاء الرشيد، حيث أصبحت الأمانة قاطرة دولية تواجه الفتاوى الضالة، وتعزز التعاون بين المؤسسات الإفتائية على مستوى العالم.

قيم مشتركة وصوت إفتائي واحد

وأضاف أن هذا الكيان الدولي يعمل على توحيد الجهود، وبناء الوعي، وتقديم نماذج مهنية للفتوى تعتمد على العلم والتحقيق والرصانة.

مستقبل الفتوى: بين تحديات العولمة وصعود الذكاء الاصطناعي

استشراف مرحلة جديدة

في رؤيته للمستقبل، شدد مفتي الجمهورية على أن دار الإفتاء تستعد لمرحلة أكثر تعقيدًا مع تسارع التكنولوجيا وتزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الثبات لا يعني الجمود، والتغيير لا يعني الانفلات، وأن الفتوى لا بد أن تقوم على علم راسخ وبصيرة نافذة.

دعم مؤسسي ورؤية تطويرية شاملة

أشاد فضيلته بجهود العاملين في الدار في جميع قطاعاتها، مؤكدًا استمراره في دعم مسيرة التطوير لضمان استمرار الريادة المصرية في صناعة الفتوى.

 

تم نسخ الرابط