الكونجرس يكسر الصمت: مجلس النواب يصوّت بأغلبية كاسحة لنشر وثائق قضية إبستين
شهدت واشنطن حدثاً مفصلياً بعد تصويت مجلس النواب الأميركي بأغلبية شبه إجماعية لصالح نشر وثائق التحقيق في قضية جيفري إبستين، المدان بجرائم جنسية، في خطوة تشكّل تحولاً حاسماً في مسار قضية أثارت جدلاً سياسياً وإعلامياً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها.
جاء التصويت بعد تغيير مفاجئ في موقف الرئيس دونالد ترامب، الذي ضغط لشهور على الجمهوريين لعرقلة تمرير التشريع، قبل أن يتراجع تحت وطأة غضب الرأي العام والانقسامات داخل حزبه.
تصويت كاسح يمهّد لكشف الملفات السرية
سجّل مجلس النواب الأميركي، أمس الثلاثاء، نتيجة لافتة بتصويته لصالح مشروع قانون يلزم وزارة العدل بنشر جميع الوثائق والسجلات المتعلقة بالخبير المالي الراحل جيفري إبستين، والذي توفي في السجن عام 2019 قبل مثوله للمحاكمة بتهم تتعلق بالاتجار الجنسي واستغلال فتيات قاصرات.
جاءت الموافقة بأغلبية 427 صوتاً مقابل صوت واحد معارض فقط، ما يعكس إجماعاً غير مسبوق في قضية محاطة بالجدل والنظريات والاتهامات التي طالت شخصيات سياسية واقتصادية بارزة.
ومن المقرر أن ينتقل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، حيث رجّح زعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون إمكانية التصويت عليه مساء الثلاثاء، وفقاً لتصريحات نقلتها شبكة "سي إن إن". خطوة سريعة قد تعني أن الوثائق باتت أقرب من أي وقت مضى إلى العلن.
تحوّل في موقف ترامب بعد ضغوط داخلية متصاعدة
شهد موقف الرئيس دونالد ترامب تحوّلاً جذرياً في الأيام الأخيرة قبل التصويت.
الرئيس شنّ حملة شرسة لأشهر لإفشال تمرير القانون، مخافة أن يؤدي الكشف عن الوثائق إلى إحراج سياسي له أو طرح تساؤلات حول علاقته السابقة بإبستين.
غير أن موجة الغضب والانشقاق داخل الحزب الجمهوري أجبرت ترامب على التراجع.
أعلن الرئيس، الأحد، دعمه لمشروع القانون، مؤكداً أنه "ليس لديه ما يخفيه"، ومجدداً اتهاماته للديمقراطيين بأنهم يقفون خلف خديعة سياسية تستهدفه.
مع ذلك، لفت مراقبون إلى أن الرئيس لم يشرح سبب امتناعه عن إصدار أمر مباشر لوزارة العدل لنشر الوثائق دون الحاجة إلى تصويت الكونجرس، ما أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية.
نفي متكرر من ترامب واتهامات متبادلة
حرص ترامب على التأكيد مجدداً الثلاثاء أنه "لا علاقة له بجيفري إبستين"، مشيراً إلى أنه طرده من نادي مارالاجو الفاخر في فلوريدا بعدما لاحظ عليه سلوكاً منحرفاً مريضاً.
ورغم ذلك، تكشف السجلات أن العلاقة بين الرجلين تعود إلى أواخر الثمانينيات حين كانا من أبرز أثرياء نيويورك، قبل أن يختلفا في بداية الألفية.
تنامت الشبهات حول إبستين بعد توجيه اتهامات إليه بإدارة شبكة اتجار جنسي تضم قاصرات، وهي الاتهامات التي أدت إلى توقيفه ثم وفاته في السجن في ظروف أثارت الكثير من علامات الاستفهام.
شهادات ضحايا تهز الكابيتول قبل التصويت
شهد محيط مبنى الكابيتول مؤتمراً صحافياً مؤثراً قبيل التصويت، حيث تحدثت عدة نساء من ضحايا إبستين علناً أمام الكاميرات، للمرة الأولى بالنسبة للبعض منهن.
وقفت لارا بلوم ماكجي لتروي تجربتها الأليمة مع إبستين خلال بداياتها في عرض الأزياء في نيويورك، مؤكدة أنها تطلب العدالة وأن الدولة يجب ألا تقف بجانب المتحرشين.
هذه الشهادات المؤثرة شكلت ضغطاً إضافياً على النواب، وأسهمت في حشد التأييد الشعبي والسياسي لدعم التشريع.
الديمقراطيون يطالبون بتحرك فوري
دعا زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الغرفة العليا إلى الإسراع في التصويت على النص من دون أي تعديل، بهدف إحالته إلى مكتب الرئيس ترامب للتوقيع عليه في أسرع وقت ممكن.
هذه الدعوة، التي جاءت بعد دقائق من تصويت النواب، تعكس رغبة لدى الديمقراطيين في إغلاق ملف طال انتظاره ووقف أي محاولات محتملة لعرقلته.
تطورات جديدة تعيد القضية إلى الواجهة
عاد ملف إبستين إلى دائرة الضوء الأسبوع الماضي بعد نشر رسائل بريد إلكتروني تكشف مزاعم خطيرة، كشف عنها أعضاء ديمقراطيون.
تضمنت الرسائل ادعاءات مباشرة بأن ترامب كان على علم بالفتيات اللواتي تعرّضن للاستغلال، وأنه أمضى ساعات مع إحداهن، وهي ادعاءات أثارت موجة غضب ودفعت الرئيس إلى استنكارها بشدة.
ترامب، الذي لا يواجه أي تداعيات قانونية في القضية، دعا بدوره إلى فتح تحقيق في علاقة إبستين ببعض الديموقراطيين البارزين، وبينهم الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
وزارة العدل والاختبار القادم
أبدت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين، التي خسرَت دعم ترامب العلني بعد تأييدها لمشروع القانون، شكوكاً حول الخطوة المقبلة.
صرّحت جرين أن الاختبار الحقيقي لن يكون في الكونجرس، بل في وزارة العدل، متسائلة عما إذا كانت الوزارة ستفرج عن الوثائق بالفعل أم ستظل مقيدة بسياق التحقيقات الجارية.
قضية إبستين تفتح ملفات حساسة
تشير التطورات الحالية إلى أن قضية إبستين تدخل مرحلة جديدة قد تفتح ملفات حساسة تتجاوز إطار الجريمة الفردية إلى شبكات النفوذ السياسي والمالي التي ارتبط بها.
تصويت النواب بأغلبية ساحقة يعكس رغبة وطنية في كشف الحقيقة، فيما يواجه ترامب وحزبه اختباراً سياسياً وأخلاقياً مع اقتراب الوثائق من النشر.
وتبقى الأنظار متجهة نحو مجلس الشيوخ ووزارة العدل لرسم ملامح الفصل التالي من أكثر القضايا إثارة في المشهد الأميركي المعاصر.

