اجتماع التخطيط المشترك يطلق شراكة شاملة بين مصر وتركيا.. تعاون سياسي واقتصادي وثقافي يتسارع نحو مرحلة استراتيجية جديدة

يشهد المسار المصري–التركي لحظة مفصلية تعكس عودة العلاقات إلى مستوى غير مسبوق من التنسيق. 

اجتماع لجنة التخطيط المشتركة في أنقرة يفتح بابًا واسعًا أمام تعاون استراتيجي يتجاوز الملفات السياسية إلى مجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة، فيما تتواصل التحضيرات لعقد الاجتماع الثاني لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بقيادة الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان. 

مشهد يُظهر أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة تتحرك بسرعة نحو شراكة متعددة الأبعاد تُعيد رسم خريطة الاتصال بين مصر وتركيا.

تحضيرات واسعة لمجلس التعاون الاستراتيجي

انعقدت لجنة التخطيط المشتركة في العاصمة التركية بهدف تنسيق الاستعدادات الخاصة بمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى.

وأكد السفير التركي في القاهرة صالح موطلو شن أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي سيشارك في الاجتماعات من أجل وضع الخطوات المقبلة بين مصر وتركيا بالتشاور المباشر.

وأعلن السفير شن أن هذا المسار المؤسسي يمثل العمود الفقري للعلاقات الثنائية، ويحدد آليات التعاون في المرحلة المقبلة من خلال رؤية مشتركة تعكس الإرادة السياسية لدى القيادتين.

زخم سياسي متصاعد يعيد العلاقات إلى مسارها الطبيعي

شهدت العلاقات المصرية–التركية منذ نوفمبر 2022 حالة انتعاش واضحة، بعدما بدأت إعادة بناء الجسور السياسية وتعيين السفراء في منتصف 2023. 

وجاء تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في فبراير 2024 ليضع إطارًا جديدًا أكثر صلابة للتنسيق بين مصر وتركيا.

وسجّل عام 2024 و2025 سلسلة زيارات متبادلة بين الرئيسين، شملت زيارة الرئيس السيسي لأنقرة، وزيارة الرئيس أردوغان للعاصمة الإدارية الجديدة ثم شرم الشيخ. 

خطوات وصفها السفير شن بأنها تعبير صريح عن مرحلة تعاون استراتيجي حقيقي يستند إلى مصالح مشتركة ورؤية إقليمية متقاربة.

اقتصاد يتجه إلى ترابط أوسع واستثمارات تركية متنامية في مصر

حقق حجم التجارة الثنائية رقمًا قياسيًا تجاوز 8 مليارات دولار في 2024، مدعومًا باتفاقية التجارة الحرة التي صمدت رغم التحديات. 

وأكد السفير شن أن مصر أصبحت وجهة مفضلة للمستثمرين الأتراك، خصوصًا في قطاعات المنسوجات والصناعات التحويلية.

وشهدت السنوات الأخيرة تنفيذ استثمارات بارزة مثل افتتاح مصنع “بيكو” للأجهزة المنزلية في العاشر من رمضان، ووضع حجر الأساس لعدد من مصانع هيات كيميا في العين السخنة، إضافة إلى توسع استثماري سريع في منطقة القنطرة غرب داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وأوضح السفير شن أن مصر تقدّم بيئة استثمارية منافسة بفضل العمالة الماهرة وتكلفة الإنتاج المناسبة والموقع الجغرافي الفريد، إلى جانب الحوافز التي توفرها اتفاقية "الكويز" مع الولايات المتحدة.

قطاع سياحي ينمو بسرعة ودعم تركي للتدفق السياحي إلى مصر

سجّل عدد السياح الأتراك إلى مصر زيادة ثلاثة أضعاف خلال العام الماضي بعد تطبيق التأشيرة عند الوصول. 

وتوقّع السفير شن تضاعف العدد خمس مرات خلال العام الحالي، مؤكدًا أن تركيا تشجع مواطنيها على زيارة مصر لما تمتلكه من مقومات سياحية وتاريخ ثقافي مشترك.

وأشار إلى أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيشكّل عنصر جذب إضافيًا يزيد من عمق الربط الثقافي بين الشعبين.

تعاون ثقافي واسع ومشروعات فنية مشتركة

تتهيأ القاهرة لاستقبال سلسلة فعاليات ثقافية تركية، تشمل معرضًا للفنون الخطية في الجمعية الجغرافية المصرية، إضافة إلى معرض لفساتين الزفاف التركية التقليدية وحفل موسيقي مشترك في نوفمبر. 

ويشارك فنانون أتراك في مهرجان القاهرة السينمائي السادس والأربعين ضمن نشاط ثقافي متنامٍ يعزز التواصل بين مصر وتركيا.

زيارات وزارية متبادلة تدعم العمل المشترك

شهدت الفترة الماضية مشاركة وزير النقل والبنية التحتية التركي في مؤتمر TransMEA بالقاهرة، إضافة إلى لقاءات اقتصادية متعددة، فيما يستعد عدد من الوزراء الأتراك لزيارة مصر قريبًا. 

كما زار وزير التجارة الخارجية والاستثمار المصري إسطنبول وشارك في اجتماعات اقتصادية بارزة أكد خلالها أهمية الشراكة مع تركيا.

تسير العلاقات المصرية–التركية بسرعة نحو شراكة استراتيجية شاملة. 

اجتماع التخطيط المشترك في أنقرة يعزز هذا الاتجاه، ويؤسس لمرحلة تعاون أوسع تتداخل فيها السياسة والاقتصاد والاستثمار والثقافة، في لحظة إقليمية تحتاج إلى توازن واستقرار بين القوى الإقليمية الكبرى.