رئيس جامعة الأزهر: خريجو تايلاند سفراء المنهج الوسطي في بلادهم
شهدت قاعة سفارة مملكة تايلاند بالقاهرة يومًا مميزًا من أيام التواصل العلمي والثقافي، حيث أقيمت احتفالية كبرى لتخريج دفعة جديدة من طلاب تايلاند الدارسين بجامعة الأزهر الشريف، بحضور فضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، والسيد تاناوات سيريكون، سفير مملكة تايلاند بالقاهرة، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي، وأساتذة الجامعة، وأسر الخريجين الذين امتلأت وجوههم بالفخر والاعتزاز.
وخلال كلمته، أكد رئيس جامعة الأزهر أن هذه المناسبة ليست مجرد احتفال أكاديمي بتخريج طلاب، بل هي تأكيد جديد على العناية الفائقة التي يوليها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالطلاب الوافدين من مختلف دول العالم، باعتبارهم سفراء للأزهر ومنهجه الوسطي المعتدل في بلدانهم، ورسلاً للتسامح والرحمة ونشر الفكر المستنير في مجتمعاتهم.
الأزهر.. منارة العلم ومنبع الوسطية العالمية
استهل فضيلة الدكتور سلامة جمعة حديثه بالتأكيد على أن الأزهر الشريف لم يكن يومًا مؤسسة علمية محلية، بل هو صرح عالمي يفد إليه طلاب من أكثر من مائة دولة حول العالم.
وقال إن جامعة الأزهر تفخر بأنها تقدم نموذجًا فريدًا من التعليم الديني والعلمي الوسطي، المستمد من جوهر الشريعة الإسلامية وسماحتها، القائم على التوازن بين العقل والنقل، والانفتاح على الآخر بالحوار لا بالصدام، موضحًا أن المناهج الدراسية بالأزهر تقوم على قاعدة "الرأي والرأي الآخر" التي تربي الطالب على الاعتدال الفكري والانفتاح المعرفي.
وأشار إلى أن خريجي الأزهر، ومن بينهم أبناء تايلاند، يتحملون مسؤولية جسيمة في نشر قيم الإسلام الصحيحة التي تدعو إلى الرحمة والعدل والتسامح، في مواجهة ما يعانيه العالم اليوم من تشويه لصورة الإسلام على أيدي بعض الجماعات المتطرفة التي أساءت إلى الدين الحنيف بسلوكها وأفكارها المنحرفة.
سفراء للأزهر في بلادهم.. وحملة لراية الخير
وفي كلمته الموجهة إلى الخريجين، خاطبهم رئيس الجامعة قائلًا: «أنتم اليوم تمثلون وجه الأزهر الشريف في بلادكم، وتحملون أمانة عظيمة في أعناقكم، هي أمانة نشر المنهج الوسطي المعتدل الذي تعلمتموه في رحاب الأزهر».
وأضاف أن الأمة الإسلامية هي خير الأمم، مستشهدًا بقول الله تعالى في سورة آل عمران:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾، مؤكدًا أن الخير لا يكون بالانتساب الشكلي إلى الأمة الإسلامية، وإنما بالعمل الصالح والإيمان الصادق والسعي إلى الإصلاح والبناء، داعيًا الخريجين إلى أن يكونوا قدوة حسنة في مجتمعاتهم ومصدر إلهام لأجيال جديدة تسير على النهج ذاته.
علاقات راسخة بين القاهرة وبانكوك
لم يفت رئيس جامعة الأزهر أن يثني على عمق العلاقات بين جمهورية مصر العربية ومملكة تايلاند، مشيرًا إلى أن التعاون العلمي والثقافي بين الأزهر والمملكة التايلاندية يمثل نموذجًا مشرقًا للتقارب بين الشعوب الإسلامية.
وأوضح أن خريجي اليوم هم بمثابة حلقة الوصل بين الأزهر الشريف ومجتمعهم التايلاندي، فهم الجسر الذي يعبر من خلاله فكر الأزهر الوسطي إلى جنوب شرق آسيا، حيث يسهمون في ترسيخ قيم التعايش والتفاهم في مجتمعاتهم متعددة الديانات والثقافات.
وأكد فضيلته أن التخرج ليس نهاية المطاف بل بداية الطريق الحقيقي، داعيًا الطلاب إلى مواصلة دراساتهم العليا في الأزهر أو في جامعاتهم المحلية، لأن العلم هو السلاح الأقوى في مواجهة الجهل والتطرف، وهو الوسيلة لبناء الإنسان والمجتمع.
الأزهر لا يتوقف عن دعم طلابه حول العالم
وفي سياق حديثه عن رسالة الأزهر العالمية، أشار رئيس الجامعة إلى أن المؤسسة الأزهرية تمد يد العون لكل طالب علم من أي دولة دون تفرقة أو تمييز، تنفيذًا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الذي يولي الطلاب الوافدين اهتمامًا خاصًا، سواء من حيث السكن، أو الرعاية التعليمية، أو الأنشطة الثقافية، إيمانًا منه بأن رسالة الأزهر عابرة للحدود ولا تقتصر على دولة أو إقليم.
وأضاف أن جامعة الأزهر تعمل دومًا على تطوير مناهجها الدراسية وبرامجها الأكاديمية بما يتناسب مع التحديات الفكرية التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، مؤكداً أن الأزهر مستمر في أداء رسالته الحضارية التي تجمع بين أصالة التراث ووعي العصر.
وفي ختام الاحتفالية، قام فضيلة الدكتور سلامة جمعة داود بتكريم الطلاب والطالبات الخريجين، حيث سلمهم شهادات التخرج تقديرًا لجهودهم وتفوقهم خلال سنوات الدراسة.
وقد بدت على وجوه الخريجين وأسرهم ملامح الفرح والفخر بالانتماء إلى الأزهر الشريف، ذلك الكيان الذي غرس في نفوسهم حب العلم والاعتدال والرحمة.
وأكد السفير التايلاندي من جانبه أن بلاده تثمن دور الأزهر في إعداد أجيال من العلماء والدعاة المتميزين الذين يسهمون في نهضة المجتمعات الآسيوية، مضيفًا أن التعاون العلمي بين القاهرة وبانكوك سيظل شاهدًا على قوة العلاقات الثقافية والروحية بين الشعبين.