رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

جدل موسمي كل عام.. هل الاحتفال بـ "عيد الحب" حرام أم جائز؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مع اقتراب الرابع عشر من فبراير من كل عام، تعود قضية الاحتفال بعيد الحب أو «الفلانتين» لتتصدر مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الدينية، بين من يراه بدعة مستوردة لا أصل لها في الإسلام، ومن يعتبره تعبيرًا راقيًا عن مشاعر إنسانية نبيلة لا تتعارض مع الدين ما دامت منضبطة بالضوابط الشرعية.

وفي هذا الجدل المتجدد، جاءت فتاوى دار الإفتاء المصرية لتضع النقاط على الحروف وتفصل بين الاحتفال المشروع والتجاوزات المحرمة، مؤكدة أن الإسلام لا يحرم الحب، بل ينظمه ويهذّبه.

الإفتاء: لا مانع من الاحتفال بـ«يوم الحب» ما دام منضبطًا بالشرع

أوضح الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الشرع لا يمنع تخصيص يوم للتعبير عن مشاعر الحب والمودة، طالما أن ذلك لا يتعارض مع تعاليم الإسلام ولا يتضمن محرمات أو مخالفات.

وقال ممدوح: كما أننا نخصص يومًا للاحتفال بالأم تعبيرًا عن البر والوفاء، فلا مانع شرعًا من تخصيص يوم للتعبير عن الحب، سواء بين الزوج وزوجته أو بين الأصدقاء أو الأقارب

وأوضح أن مفهوم «عيد الحب» لا ينبغي حصره في العلاقة بين الشباب والفتيات، بل هو مناسبة للتعبير عن المودة بمفهومها الأوسع والأشمل، مشيرًا إلى أن الحب قيمة إنسانية عامة لا تقتصر على نوع معين من العلاقات.

وأضاف أن الاعتراض القائل بأن الاحتفال بهذه المناسبة «تشبه بغير المسلمين» اعتراض غير صحيح، لأن التشبه لا يكون إلا بنية التقليد، أما من يحتفل تعبيرًا عن مشاعر نبيلة فلا يدخل في باب التشبه المذموم.

ضوابط شرعية واجبة: لا مجون ولا اختلاط ولا تجاوز

وشدد ممدوح على أن الاحتفال بيوم الحب مشروط بألا يتضمن ما يغضب الله، كالمجون، أو الألفاظ الخارجة، أو الاختلاط المحرم.

وقال إن الحب في الإسلام قيمة راقية تُعبّر عن العطاء والوفاء، وليست ذريعة للانحراف أو التبرج.

وأكد أن الاحتفال المقبول هو الذي يُعبّر فيه الإنسان عن مشاعره بأدب ووقار، لا بخروج عن القيم، مضيفًا أن كلمة «عيد» هنا تُستخدم بمعناها اللغوي، أي اليوم الذي يتكرر كل عام، وليس بالضرورة أن تكون عيدًا شرعيًا كعيد الفطر أو الأضحى.

مجدي عاشور: ديننا يدعو إلى الحب.. ولكن في إطار الزواج والأخلاق

وفي الاتجاه ذاته، شدد الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي السابق لمفتي الجمهورية، على أن الإسلام لا يعادي الحب، بل يعتبره أساسًا لكل علاقة إنسانية راقية، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح».

وأوضح عاشور أن الإسلام لا يمنع مشاعر الحب بين الشاب والفتاة، لكنه يرفض تحويلها إلى علاقة غير منضبطة أو طريق للحرام.

وقال: الحب مطلوب لأنه سراج النفوس، لكن لا بد أن يُتوَّج بالزواج المشروع، لأن الحب بلا التزام أخلاقي ينقلب إلى فتنة.

ونصح الشباب بأن يكون حبهم دافعًا نحو المسؤولية والارتباط الشرعي، لا مجرد عاطفة عابرة، مضيفًا أن من أراد فتاة فليذهب إلى بيتها ويطلب يدها بالحلال، فهذا هو الحب الصادق الذي يُرضي الله ورسوله.

وأشار عاشور إلى أنه من الأفضل تسمية المناسبة بـ«يوم الحب» بدلاً من «عيد الحب»، تجنبًا للالتباس مع الأعياد الدينية التي حددها الشرع الإسلامي، مؤكدًا أن المقصود هو المعنى لا التسمية.

وأضاف أن بعض المتشددين يضيّقون على الناس باسم الدين، بينما جوهر العلم والدين هو الرحمة لا القسوة.

وقال: من يجلد الناس بتشدده يجلد نفسه قبل غيره، والعالم الحق هو من يقرّب الناس إلى الله بالحب والعلم والرحمة.

وأوضح أن الحب مفهوم واسع يشمل حب الله ورسوله، وحب الوالدين، والأصدقاء، والناس جميعًا، وليس محصورًا في الجانب العاطفي بين الرجل والمرأة.

خالد الجندي: الإسلام ليس دين كره.. والحب في القرآن

أما الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فقد وجّه انتقادًا لمن يحرّمون الاحتفال بيوم الحب دون دليل قاطع، واصفًا أصحاب تلك الفتاوى بأنهم «ناس رخمة»  على حد تعبيره  لأنهم يضيّقون على الناس ما وسّعه الله لهم.

وقال الجندي إن الاحتفال بيوم الحب حلال إذا خلى من الفسوق والفجور والاختلاط المحرم، مؤكدًا أن ديننا الحنيف حثّ على تآلف القلوب والمودة.

وأضاف: الإسلام ليس دين كره، بل دين حب ورحمة، وكلمة الحب وردت في القرآن في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165].»

كما استشهد بقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «للحب سر ما زلت أجهله، وكم سواي بسر الحب قد حاروا»،
ليؤكد أن الحب طاقة إيمانية سامية إذا وُجّهت في طريقها الصحيح.

ضوابط الحب في الإسلام: من العفة إلى النية الصادقة

وضعت دار الإفتاء عددًا من الضوابط التي تُهذّب مشاعر الحب وتضبطها وفق التعاليم الإسلامية، أبرزها:

ألا يخالف الحب شرع الله أو يجر إلى المعصية.

ألا يلهي الإنسان عن حب الله وعبادته.

أن يظل في نطاق الكتمان والاحترام، بعيدًا عن المجاهرة أو الفتنة.

أن يكون المحب عفيفًا يملك زمام عاطفته، فلا يتجاوز حدود الأدب والدين.

أن يكون الحب لله وفي الله، خاليًا من المصالح الشخصية أو الأهواء.

ألا يتخذ المحب وسائل محرمة، كالسحر أو الخداع للوصول إلى محبوبه.

وأكد العلماء أن كل حب لا يُحتكم فيه إلى شريعة الله ينهار، وأن العشق الحقيقي هو ما يُهذّب النفس ويقرّب العبد من خالقه.

الإفتاء: لا يجوز التصريح بكلمات الحب قبل الزواج

وفي سياق متصل، أوضح الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن التصريح بكلمات الحب بين الشاب والفتاة قبل الزواج لا يجوز شرعًا، لأن الميل القلبي يقتضي رغبة في التواصل الجسدي، وهو ما لا يُسمح به خارج إطار الزواج.

وقال الورداني إن الإسلام لا يحاسب الإنسان على مشاعره القلبية، لكنها تُحاسب حين تتحول إلى أفعال أو أقوال تتجاوز الحدود.

وأضاف: «يُستحب تأجيل التصريح بالحب إلى ما بعد الارتباط الرسمي، لأن تكرار التعبير قد يفتح بابًا للتجاوز، ويُضعف من القيم التي تحفظ العلاقة بين الرجل والمرأة».

تم نسخ الرابط