الأوقاف تصنع الوعي.. 1010 قافلة دعوية تجوب مراكز الشباب لمواجهة التطرف
في وقتٍ تتزايد فيه التحديات الفكرية والمجتمعية التي تواجه الشباب، أطلقت وزارة الأوقاف المصرية مبادرة دعوية غير مسبوقة تحت عنوان "صناعة الوعي لدى الشباب بمتطلبات العصر"، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.
تأتي هذه المبادرة في إطار خطة استراتيجية متكاملة تسعى إلى تحصين العقول قبل الأجساد، عبر تنظيم 1010 قافلة دعوية تجوب مراكز الشباب في مختلف محافظات الجمهورية، لتكون منبرًا للفكر الرشيد، وميدانًا لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبناء الإنسان المصري الواعي بواقعه وتحديات عصره.
رؤية الأوقاف: الوعي سلاح مواجهة التطرف
تتحرك وزارة الأوقاف في السنوات الأخيرة برؤية استراتيجية محكمة، تدرك أن التطرف لا يُحارب بالقوة وحدها، بل بالفكر والعلم. ومن هذا المنطلق، وضعت الوزارة أربعة محاور رئيسية لاستراتيجيتها الدعوية، هي:
1. مواجهة التطرف الديني الذي يستغل النصوص الشرعية لتبرير العنف والفرقة.
2. مواجهة التطرف اللاديني الذي يسعى لزعزعة القيم الدينية والوطنية.
3. بناء الإنسان علميًا وأخلاقيًا وثقافيًا.
4. صناعة الحضارة القائمة على العلم والعمل والإيمان بقيمة الوطن.
من خلال هذه المحاور، تتحرك قوافل الأوقاف ليس فقط لتلقين الدروس الدينية، بل لبناء جيلٍ واعٍ قادر على التمييز بين الفهم الصحيح والمغلوط للدين، وبين من يوظف النصوص لتحقيق مآرب شخصية أو سياسية، ومن يسعى لإعلاء كلمة الحق والخير والسلام.
مبادرة "صحح مفاهيمك": منابر متنقلة للحوار والتنوير
القوافل الدعوية التي تجوب مراكز الشباب تأتي ضمن إطار مبادرة "صحح مفاهيمك"، التي أطلقتها وزارة الأوقاف كواحدة من أبرز مشروعاتها الفكرية في السنوات الأخيرة.
المبادرة تقوم على فكرة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: الدين لا يُختزل في الشعائر، بل هو سلوكٌ وفكرٌ وممارسة للحياة. لذلك تسعى الأوقاف إلى النزول إلى الميدان، إلى حيث يتواجد الشباب في أنديتهم ومراكزهم الرياضية، بعيدًا عن المنابر التقليدية.
ويشارك في هذه القوافل عدد كبير من العلماء والدعاة المؤهلين أكاديميًا وفكريًا، ممن يمتلكون القدرة على التواصل مع الشباب بلغة العصر، وبأسلوب يتجاوز الخطاب الوعظي إلى الحوار المفتوح والنقاش الهادف.
الوعي.. كلمة السر في معركة بناء الإنسان
ترى وزارة الأوقاف أن "صناعة الوعي" ليست مجرد شعارٍ بل معركة فكرية واجتماعية تهدف إلى خلق جيلٍ يمتلك أدوات الفهم والتحليل، ويستطيع التفرقة بين الدين الصحيح والفكر المنحرف.
فالوعي هو الحصن الذي يحمي الشباب من دعاة الفتنة والتطرف، وهو الطريق لبناء مجتمعٍ متماسك يؤمن بالوطن والانتماء والاعتدال.
ويشير مسؤولو الوزارة إلى أن هذه القوافل تمثل ترجمة عملية لرسالة الأوقاف في "تجديد الخطاب الديني" وتحويله من مجرد دعوة لفظية إلى فعلٍ ميداني مؤثر، يزرع في نفوس الشباب روح الانتماء والإيجابية.
التنسيق بين وزارتي الأوقاف والشباب والرياضة يعكس إدراك الدولة لأهمية العمل المشترك في مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية.
فالشباب الذين يرتادون مراكز الشباب هم الفئة الأكثر استهدافًا من دعاة التطرف، والأكثر احتياجًا إلى خطابٍ دينيٍ متوازنٍ يعالج مشكلاتهم الواقعية بلغةٍ قريبةٍ من عقولهم وقلوبهم.
القوافل الدعوية داخل هذه المراكز لا تقتصر على المحاضرات الدينية فحسب، بل تتضمن أيضًا ورش عمل فكرية وثقافية، وحوارات تفاعلية حول القيم الوطنية، والانتماء، ومواجهة الشائعات، وسبل التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بوعيٍ ومسؤولية
القيم الوطنية في صلب الرسالة الدعوية
من بين الأهداف التي تسعى إليها هذه القوافل تعزيز الانتماء الوطني وترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية.
فالدين، كما يوضح علماء الأوقاف، ليس معزولًا عن حب الوطن ولا عن حماية مقدراته، بل هو في جوهره دعوة إلى الإعمار والإصلاح والتعاون على البر والتقوى.
ويحرص الدعاة المشاركون على توضيح أن الإيمان الحقيقي لا ينفصل عن العمل من أجل الوطن، وأن من يسعى إلى هدم مؤسساته أو نشر الفوضى إنما يخالف جوهر الدين الذي أمر بالوحدة والرحمة والسلام
تجديد الخطاب الديني.. فكر لا شعارات
من خلال هذه القوافل، تعمل وزارة الأوقاف على تجديد الخطاب الديني بصورة واقعية بعيدة عن التنظير. فالتجديد هنا لا يعني التنازل عن الثوابت، وإنما تطوير أساليب العرض لتناسب لغة الجيل الجديد وتغيرات المجتمع.
فبدلًا من الاقتصار على الخطب في المساجد، توسعت الوزارة في استخدام القوافل والندوات والمراكز الثقافية والرياضية كمنصات بديلة، تُخاطب العقل وتفتح باب النقاش الحر، وهو ما يجعل الرسالة الدعوية أكثر تأثيرًا واستدامة.
شباب بعقل مستنير وفكر راشد
الغاية الكبرى من هذه المبادرة هي إعداد جيلٍ من الشباب الواعي المتوازن، الذي يجمع بين العلم والإيمان، وبين الفكر والانتماء.
تسعى الأوقاف من خلال "صناعة الوعي" إلى أن يكون الشباب المصري قادرًا على مواجهة الأفكار المتطرفة بالحجة، وعلى الإسهام في تنمية المجتمع بمسؤولية ووعي.
فالشباب هم طاقة الأمة ومحرك نهضتها، وإذا أُحسن توجيه هذه الطاقة بعقلٍ ناضجٍ وفكرٍ راقٍ، فإن المجتمع بأسره سيقطف ثمار الاستقرار والتقدم.
رسالة الأوقاف: الدين للإنسان.. لا ضدّه
في النهاية، تعكس القوافل الدعوية التي أطلقتها وزارة الأوقاف رؤيةً إنسانيةً شاملة مفادها أن الدين جاء لخدمة الإنسان وإعماره، لا لتكبيله أو عزله عن الحياة.
ومن ثمّ، فإن تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الدين والعبادة والوطن هو مهمة وطنية بامتياز، لا تقل أهمية عن أي مشروع تنموي أو اقتصادي.
"صناعة الوعي" ليست مجرد فعالية مؤقتة، بل خط دفاعٍ فكريٍ طويل الأمد، تُراهن عليه الأوقاف لبناء مجتمعٍ متماسكٍ مؤمنٍ بالوسطية، يعرف طريقه إلى التقدم دون أن يفقد بوصلته الروحية أو هويته الوطنية.