باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

رقاة أم دجّالون؟.. حين يتحوّل الإيمان بالغيب إلى تجارة بالخوف

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في المدن والأرياف،  تنتشر ممارسات تبدو للبعض حلاً لمشكلاتٍ عاطفية وصحية ومهنية: «سحر»، «عَين»، و«رقى» تُقدَّم بأثمانٍ متفاوتة وبوعود شفائية فورية لكن ما الذي يميّز الإيمان بوقوع السحر أو العين عن الدخول في متاهة الخرافة والاستغلال؟ وما موقف الشريعة الإسلامية من هذه الممارسات، وكيف يمكن للمجتمع أن يفرِّق بين الحيِّز الشرعي للرقية وممارسات النصب والدجل؟ نستعرض الأدلة الشرعية، ونقدّم تحليلاً اجتماعياً ونفسياً لظاهرةٍ أضحت تؤثر في حياة آلاف الأسر.

في الأزقة والأسواق وعلى منصات التواصل، تتعدد صور العرض: «معالجون روحانيون» يَدّعون فك المسّ والسحر، مجهزون بأدعية مكتوبة على ورق، أو بيعات لتمائم وأحجبة، وأحياناً جلسات جماعية «لطرد الحسد» أحد المتصلين بنا من محافظة صغرى روى أن أقربائه لجأوا إلى «فقيه» ليفكّ لهم ما قالوا إنه سحر أصاب أحد الأبناء بعد خلاف عائلي  الملايين تُنفق سنوياً، وبعض الحالات تنتهي بمضاعفات نفسية أو تقسيم أسر، وفي نفس الوقت، تختفي آلاف الحالات البسيطة التي تُعالج بطرق طبية ونفسية لكنها تُحمّل تَفسيراتٍ خارقة

ماذا تقول الشريعة؟

الإسلام لم ينفِ تماماً واقعة العين أو السحر؛ ففي نصوص شرعية  وروايات تلمح إلى وجود تأثيرات سيئة قد تمس الإنسان من الآيات التي تتناول أمر السحر: إشارات في سورة البقرة تتعلق بمن علّموا السحر وما وقع منه، وفي سورتي المعوذتين (الفلق والناس) توجيه للنصرة والاعتصام من شر ما يُخشى  قال الله تعالى: «قل أعوذ بربّ الفلق» و«قل أعوذ بربّ الناس» كمحور للحماية الروحية. كذلك ورد في السنة إشارات إلى حقيقة العين، ومن أقوال النبي ﷺ: «العين حق»  وهي إشارة صحيحة في فهم وقع الحسد والغيرة على الإنسان.

لكن الفاصل الشرعي واضح: الإيمان بوجود قدرٍ من المسّ أو تأثير العيون لا يبيح إدخال الشرك أو اللجوء إلى وسائل محرمة. السحرُ الذي يستلزم مقابلة الشياطين أو استحداث وسائل شركية محرّم شرعاً يُعد جريمةً وكفراً أو معصيةً كبيرة، ومن مارسه وألحق بالناس ضراً فقد استوجب ثواباً وزجراً في الشريعة كذلك الرقية الشرعية التي تتوافق مع النصوص (قراءة القرآن، الدعاء، المسح بالأذكار) مقبولة ومأمونة، بينما التمائم والتعاويذ التي تُنسب لآيات أو تُغيّر نصوص القرآن تُعد تحريفاً واختراقاً للحدود الشرعية.

بين الإيمان والخرافة: نقاط فارقة يجب الانتباه إليها

المنهجية: الإيمان الشرعي يقوم على نصوص محددة، والرقية الشرعية تعتمد القرآن والسنة والأذكار المأثورة الخرافة تعتمد على سرد قصصي، ادعاءات دورية، أو أدوات لا سند لها.

الوسائل: العلاج بالرقية الشرعية لا يتطلب أفعالاً شركية (نحو الاستعانة بجن أو عبادات محرفة)

النتائج: إذا أدى اللجوء إلى «معالجين» إلى تفاقم الحالة الصحية أو النفسية، أو استغلال مالي واجتماعي، فثمة مبرر شرعي واجتماعي لقمع هذه الممارسات.

التعاون مع الطب: الإسلام لم يمنع أسباب الشفاء  العلاج الطبي والنفسي وسيلة مشروعة، والخلط بين المداواة الشرعية والطبية واجب.

سوق «فك السحر»  مفاهيم الحلال والحرام لصالح أرباح فورية صفحات تروج لقصص «نجاحات» مفبركة، وأرقام تُستخدم لاختبار صدق «المدعّي». دعاة و«معلّمون» يمدحون أنفسهم بشهادات لا خلفية علمية لها

الآثار الاجتماعية والنفسية: لماذا يستمر الإقبال؟

الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ترفع من منسوب اللجوء إلى تفسيرات خارقة: فقدان الأمل، الخلافات الزوجية، والفشل المهني تُرجع الناس إلى تفسيرات «سحرية» لتخفيف الشعور بالعجز علماء النفس يؤكدون أن ظواهر مثل الوسواس والقلق والاكتئاب قد تُفسَّر خطأً كأعراض سحرية. ذلك يفتح الباب أمام تشخيصٍ خاطئ وابتعادٍ عن العلاج المهني. كما أن وصمة العيب قد تُثقل ضحايا تجارب سحرية مفترضة، فتُعيق الإفصاح وطلب المساعدة الحقيقية.

ماذا يوصي الدين والمجتمع؟

الالتزام بالرقية الشرعية المأثورة: قراءة ما ثبت من القرآن والأذكار، والابتعاد عن كل ما يحمل معنىً شركياً.

الربط بين الطب والدين: على الداعية والراقي توجيه الأشخاص للطب إذا كانت أعراضهم نفسية أو جسدية ظاهرة التعاون مع أخصائيين نفسيين وطبيين ضرورة.

محاربة النصب قانونياً واجتماعياً: تشديد الرقابة على الإعلانات ونشر حملات توعوية توضح الفرق بين الرقية والاحتيال.

التثقيف الشرعي: نشر فتاوى مبسطة من علماء موثوقين تشرح الحدود الشرعية وتكشف المغالطات.

حماية الضحايا: تقديم دعم نفسي واجتماعي لمن تعرضوا للاستغلال، وإزالة وصمة العار عنهم لتشجيعهم على اللجوء للعلاج.

تم نسخ الرابط